في هدوء الساعات الأولى من الصباح، تنزل لأداء مهمتها اليومية، تسير بخطى بطيئة، قدماها تتعثران في عجلات الكرسي المتحرك الذي تدفعه برفق، ولما لا، وحفيدها الذي تحبه يجلس فوقه، عيناها لا تغيب عنه وتختلس النظر إلى الطريق، تارة تنظف له ما علق بملابسه من غبار الشارع، وتارة أخرى تهدهده وتغني له برفق «مين حبيب تيتا.. مااااازن»، يبتسم لها الصغير في رضا، فتأخذ من ابتسامة ثغره طاقة تكفي يومها، لتستكمل طريقها نحو مشوارها المعتاد تجاه مركز العلاج الطبيعي الذي يعالج فيه حفيدها مما أصابه.
الحاجة أم حسن، سيدة سبعينية، نال العمر من ملامحها، لكن قلبها ما زال راضيًا، تكالبت عليها الأعباء لكن ابتسامة وجهها لم تغب عنها، يوميًا تأخذ حفيدها «زياد» نجل ابنتها، وتذهب به ليستكمل رحلة علاجه من مرض التوحد والتأخر الذهني، لا تكل ولا تمل، تحنو عليه طوال الطريق بقلب الأم وليس الجدة، ولانشغال والده في العمل لتوفير متطلبات المنزل تملأ فراغ الأب في حياته، وتلعب معه وقت فراغهما لتعوضه عن عدم وجود أخ له.
مصير «أم حسن» في مرافقة حفيدها كتب عليها بعد مرض والدته بمرض نفسي، جلسات كهرباء المخ التي تعالج بها تجلها لا تقوى على حمل مسؤوليته، وهنا رأت الجدة واجبًا للتدخل، وأن تخفف عن ابنتها حمل طفلها المريض، لتتولى هي رعايته، وتصبح أم وجدة في الوقت نفسه، وعلى الرغم من وجود والد الطفل، إلا أنها تفضل رعايته بنفسها، وكل أملها أن ترى حفيدها بخير، وابنتها سليمة ومتعافية مما أصابها.
أحيانا كثيرة تنسى السيدة المسنة مرضها ولا تهتم سوى بـ«مازن» صاحب الـ10 سنوات، تدفع كرسيه المتحرك وهي تغازله وسط شوارع منطقة حدائق القبة حيث قابلتها «»، ويعرفها السكان بصبرها وجدعنتها الكل يناديها بـ«تيتة مازن»، وهي أحب الألقاب التي تنادى بها إلى قلبها حسب قولها.
هموم الدنيا ومتاعب الحياة تثاقلت على كاهل «أم حسن»، جسدها الهزيل داخل ملابسها الفضفاضة يتحمل مشقة المشاوير، لكن مصاريف علاج الحفيد والابنة تزداد كل وقت عن قبله، تحتاج إلى من يساعدها في تلك النفقات «زياد بيحتاج حفافضات كتير كمل يوم غير جلسا العلاج، وأمه بتعمل جلسات كهربا، أمنيتي ندخل رمضان وهما كويسين وبخير».