سلطت صحيفة عبرية الضوء على محاولة روسيا استخدام العملة المحلية (الروبل) من أجل تفادي العقوبات التي فرضها الغرب عليها بعد غزوها أوكرانيا، معتبرة أن استخدام الروبل “فكرة فاشلة”.
وأوضحت “يديعوت أحرنوت” في افتتاحيتها التي كتبها الخبير الاقتصادي سيفر بلوتسكر، أن “الروبل الروسي (عملة محلية)، اجتاز الشهر الماضي هزة فاجأت المحللين الاقتصاديين في الغرب؛ فمثل فشل الخبراء الأوروبيين للشؤون الاستراتيجية في فهم نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن إحياء الإمبراطورية الروسية، هكذا فشلوا أيضا في فهم نهج سكان الكرملين من الروبل”.
وأضافت: “في نظر الكرملين، الروبل القوي هو رمز من رموز القوة الإمبريالية الروسية، وليس مجرد مال ينتقل إلى التاجر، وبوتين نفسه فتن بفكرة أن يستخدم العالم المالي الروبل، مثلما يستخدم الدولار واليورو، دون أن يفهم أن هذه فكرة فاشلة تماما، إذا ما نظرنا إلى الوزن الصفري (أقل من 1 في المئة) لروسيا في التجارة الدولية العالمية”.
ونوهت الصحيفة، إلى أنه “بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تسارع سقوط الروبل حيال الدولار إلى حد الانهيار، ولأسباب اقتصادية واضحة؛ فمن جهة، كلفة الغزو عشرات مليارات الروبل، ومن جهة أخرى العقوبات الغربية تقلص الاقتصاد الروسي، وتخنق صادراته (باستثناء مواد الطاقة) إضافة إلى هروب المستثمرين الخارجيين”.
وذكرت أنه “بهدف حماية العملة المحلية من سقوط دراماتيكي آخر، رفع البنك المركزي الروسي معدل الفائدة السنوية إلى 20 في المئة، غير أن هوس الكرملين لـ”روبل قوي” لم يتوقف عند بوابات البنك، وتحول إلى تدخل حكومي مباشر وتلاعب بسوق العملة المحلية؛ من خلال أوامر سعر وقيود إدارية”.
وقالت: “حتى الآن أحد لا يعرف ما هو سعر الروبل الحقيقي، والحديث عن تعزز الروبل بعشرات في المئة منقطع عن الواقع”، منوهة إلى أن “القيادة الروسية وصلت إلى مطارح العبث التام، بعزمها على بيع النفط والغاز الطبيعي إلى الغرب بـ”الروبل فقط”، فروسيا يمكنها أن تطبع من الروبل كما تشاء؛ ما ينقصها هو الدولار”.
ماريو دراغي، رئيس حكومة إيطاليا الذي كان رئيسا للبنك المركزي الأوروبي “شرح هذا العبث في حديث طويل مع بوتين، وبدا الأخير مقتنعا، ولكن ما إن وضع السماعة حتى عاد بوتين لرفع مطلبه الأصلي لـ”ربللة” التجارة الخارجية، بدعوى أنه إذا ما اضطر المشترون للغاز والنفط لأن يدفعوا لموسكو بالروبل، فإنهم سيعززون الروبل، وهذا ادعاء مغلوط ومضلل”.
ولفتت “يديعوت” إلى أن “شركات الطاقة الدولية، رفضت بشدة الخضوع للطلب الروسي، الذي أخذت طريقة تحققه تتعقد فقط، وفي اللحظة الأخيرة جند للمعركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أعلن دون أن يرف له رمش، أنه ليس هناك ولم تكن أي نية لإجبار أحد على أن يدفع بالروبل”.
وأكدت أن “روسيا خسرت المعركة على الروبل لذات الأسباب التي بسببها تخسر حربها العسكرية في أوكرانيا؛ سوء فهم أساسي للساحة، سوء تقدير لقوة صمود الطرف الآخر، وبالأساس الاعتماد على هواة وليس على مهنيين خبراء في مجالهم”.
ونبهت إلى أن “الترميم الاقتصادي للدولة الروسية الكبرى في ختام المغامرة العسكرية في أوكرانيا سيستمر سنوات، ولا يمكن لأي تلاعب بسعر الروبل أن يسرعه أو أن يجدي نفعا، هذا سيضر به فقط”.
و أكدت يديعوت، أن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية إسقاط حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى أن الحرب الأوكرانية تخدم هذا الهدف لكنها لا تخدم المصلحة العالمية.
ورأت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، في مقالها الافتتاحي الذي كتبه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الجنرال غيورا آيلند، أن سلسلة تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد الرئيس بوتين حيث وصفة بـ”الجزار، وأنه يجب تغيير الحكم في روسيا، ليست صدفة”.
ثلاث مصالح
وأوضحت أن “الولايات المتحدة تريد أن تغير حكم بوتين منذ 20 عاما، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي في 1991 أصبحت روسيا دولة أصغر، أضعف وانشغلت بمشاكلها الداخلية، ورئيسها الأول بوريس يلتسين، كان لطيفا وسكيرا، تلقى بخنوع حقيقة أن الولايات المتحدة بقيت في حينه القوة العظمى الوحيدة”.
وأضافت: “بعد عقد واحد من ذلك صعد بوتين إلى الحكم، وفي غضون بضع سنوات تبين للأمريكيين أن تطلعاته أعلى بكثير من سلفه، لقد أراد بوتين استعادة المجد، والولايات المتحدة لم تستطب ذلك”.
وبوتين من جهته، أوضح أنه يوجد لروسيا ثلاث مصالح أساسية هي: ألا تتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لروسيا؛ وألا تفاجئها بخطوات أحادية الجانب غير منسقة؛ وأن تمتنع عن جر دول شيوعية سابقة للانضمام إلى “الناتو”، وأساسا ألا تفعل هذا مع دول الاتحاد السوفييتي السابق”.
ونوهت الصحيفة، إلى أن “أمريكا من ناحية بوتين، منذ الـ2000 وحتى اليوم تعمل عن قصد كي تمس بهذه المصالح الثلاث، في حين توجد مصالح كثيرة مشتركة بين واشنطن وموسكو، لكن الولايات المتحدة فضلت عرقلة بوتين بدلا من البحث عن المصالح المشتركة”.
وقدرت أنه “كان بالإمكان منع غزو أوكرانيا، لو أن الولايات المتحدة تعهدت بأن أوكرانيا لن تنضم إلى “الناتو”، لكن بايدن رفض ذلك، وعندها، بعد نحو أسبوع من بدء الحرب، فهمت الولايات المتحدة أنه نشأت لها فرصة لتحقيق الهدف المنشود، وهو إسقاط حكم بوتين”.
النهاية حسمت
وأكدت “يديعوت” أن “إسقاط بوتين، هو الهدف الأكثر أهمية للولايات المتحدة بكثير من إنهاء الحرب، وهذا محزن، حيث تبين أن استمرار الحرب يخدم ظاهرا المصلحة الأمريكية”، موضحة أن “واشنطن تقدر أن بوتين غير قادر على ابتلاع أوكرانيا، ولكنه أيضا غير قادر على لفظها، وهو عالق هناك في حرب استنزاف لا حل لها، وكلما تواصلت الحرب ضعفت مكانة بوتين في الساحات الأربع؛ العسكرية، الدولية، الاقتصادية وأخيرا الداخلية.
وقالت: “ظاهرا بدا قول بايدن ذكيا، فهو يعبر عن السياسة الحقيقية؛ وهي التسبب بتغيير الحكم في روسيا، وعمليا هذا خطأ، فالأمم تكره أن يحاول أحد ما من الخارج إسقاط الحكم عندها، حتى عندما تكون الشعوب تكره الحكم، فهي تريد أن تغيره بنفسها على ألا تخضع لقوة أجنبية، وكان ينبغي على الأمريكيين أن يتعلموا هذا منذ زمن بعيد في كوبا، العراق، أفغانستان، فنزويلا وغيرها، ونحن أيضا تعلمنا هذا في لبنان في 1982”.
وأشارت الصحيفة، إلى أن “إعلانات بايدن من شأنها أن تعزز قوة بوتين داخليا، وليس العكس، والمصلحة العالمية هي إنهاء الحرب، والسبيل لعمل ذلك، يستوجب مبادرة أمريكية-صينية، يلزمها تنازلات متبادلة بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى”.
ولفتت إلى أن “اتفاقا متعدد البنود، يسمح لكل الأطراف بأن تبرز الإنجازات وتخفي التنازلات”، منوهة إلى أن الأمر بالنسبة “لمستقبل بوتين، يبدو أن نهايته حسمت بكل سبيل، ومن الأفضل للغرب أن يبادر إلى إنهاء الحرب، ويسمح للشعب الروسي بنفسه أن يجري حساب النفس بعد ذلك، وهذا قد يكون شعبيا ومحقا أقل، ولكنه أصح”، بحسب تقدير “يديعوت”.