عبدالله الفيصل..الأمير الشاعر والوزير الرياضي

هو أول وزير للداخلية في تاريخ بلاده وأول من حمل حقيبة الصحة أيضاً، وهو من كتب أجمل القصائد وتغنى بشعره كبار نجوم الطرب السعوديين والعرب، وهو من كان شاهداً على توقيع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وهو من هام عشقاً بالنادي الأهلي السعودي وأطلق اسمه على أحد أوائل الملاعب الرياضية في جدة، وهو من أحب مصر منذ شبابه، فتردد عليها وصادق كبار رجالاتها وتدرب للدفاع عنها وشجع ناديها الأهلي، وهو من فضلته أم كلثوم على غيره من الشعراء العرب غير المصريين، فغنت له قصيدتين بدلاً من قصيدة واحدة، وهو من كتب الأدباء عن شعره ووضع الباحثون رسائل جامعية في أدبه، بل هو أكثر من هذا كله.. هو حفيد موحد المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، والابن البكر للملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله. إنه الأمير عبدالله الفيصل آل سعود، الذي انتقل إلى جوار ربه بمدينة جدة، التي عاش فيها معظم سنوات حياته، في الثامن من مايو عام 2007، عن عمر ناهز الرابعة والثمانين من بعد حياة حافلة في ميادين السياسة والإدارة والأدب والشعر والرياضة والتجارة والبر والإحسان، فصُلي عليه بعد صلاة العشاء في المسجد الحرام ثم ووري جثمانه الثراء بمقابر العدل بمكة المكرمة.

ولد بمدينة الرياض سنة 1922، أي قبل توحيد المملكة العربية السعودية بنحو عقد من الزمان، وعاش فيها سنواته الخمس الأولى تحت رعاية جده الملك عبدالعزيز، قبل أن ينتقل في أواخر العشرينات الميلادية إلى مدينة جدة للعيش في كنف والده، الذي كان وقتها نائباً للملك في الحجاز ووزيراً للخارجية.

والدته هي الأميرة سلطانة بنت أحمد بن محمد السديري، أولى زوجات الملك فيصل، وجده لأمه هو الأمير أحمد بن محمد بن أحمد السديري (ت: 1934)، الذي عمل مستشاراً للملك عبدالعزيز وكان أحد كبار المشاركين في فتوحاته ومعاركه الحربية لتأسيس الدولة السعودية الثالثة، وأحد أوائل من أسند إليهم جلالته مسؤوليات إدارة مناطق الوشم والقصيم والأفلاج والغاط.

إخوانه غير الأشقاء هم الأمراء: محمد الفيصل (ت: 2017)، سعود الفيصل (ت: 2015)، عبدالرحمن الفيصل (ت: 2014)، بندر الفيصل (ت: 2015)، تركي الفيصل، خالد الفيصل، وسعد الفيصل (ت: 2017).

اقترن لأول مرة بالأميرة الجوهرة بنت خالد بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود، التي أنجبت له الأمراء خالد ومحمد وعبدالرحمن وطلال وسلطان وتركي وبندر، ثم اقترن بالأميرة نورة بنت عساف العساف، التي رزق منها بالأمير سعود، ثم تزوج للمرة الثالثة بالأميرة سلوى بنت سعيد بن مسفر العدوي القحطاني والدة الأمير فيصل والأميرة سلطانة.

التعلم من مجالس والده

حينما انتقل الأمير عبدالله الفيصل إلى الحجاز كان التعليم النظامي في بداياته وكان نيل الشهادة الابتدائية وقتذاك من علامات التباهي والفخر، فألحقه والده بالمدرسة الفيصلية بمكة التي نال منها شهادته الابتدائية، ليعتمد بعدها على نفسه لجهة الاستزادة المعرفية، من خلال الحضور والاستماع لما كان يدور في مجالس والده المكتظة على الدوام برجالات العلم والأدب والسياسة، وضيوف الحجاز من أعلام العالمين العربي والإسلامي. وفي الوقت نفسه، انكب يقرأ في كتب الأدب والتاريخ والسياسة. غير أن ما استهواه بالدرجة الأولى، ووجد نفسه فيه هو الشعر، فراح يقرأ ويتأمل في قصائد كبار الشعراء القدامى، وتحديداً شعراء الفروسية والحكمة والغزل الرقيق، فحفظ لطرفة والنابغة الذبياني وامرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وعنترة والمتنبي، ثم قرأ لاحقاً في دواوين شوقي وحافظ إبراهيم وناجي وبدوي الجبل وعمر أبوريشة وغيرهم. وهكذا أثمر غرامه بالشعر والشعراء عن ولادة موهبته الشعرية المدعومة باستعداده الفطري لأن يكون شاعراً، فراح يقرض الشعر معبراً عن مكنونات نفسه وعواطفه ومشاعره الذاتية، علماً بأنه لم يكتف بكتابة الشعر العربي الفصيح فحسب وإنما نظم أيضاً الشعر النبطي الدارج تأثراً بوالده.

وفي هذ السياق، لا بد لنا من الإشارة إلى أنه عارض بشدة دعوات تجديد وتحرير الشعر العربي، لاسيما شعر التفعيلة وقصيدة النثر، وقت أن احتدم الجدل حولها بين المثقفين السعوديين في الخمسينات والستينات، وانحاز بالمطلق للقصيدة العمودية التقليدية، معتبراً الشعر الحديث أو الحر سرطاناً ينخر اللغة العربية والأدب العربي، وبدعة مجارية لحركات أدبية ظهرت في الغرب. لكن هذا لا يعني أنه كان شاعراً جامداً محافظاً، فالذين كتبوا عن شعره أجمعوا على اتصافه بالرقة والسلاسة والعذوبة، والاستجابة للاتجاه الطبيعي الذي كان سائداً في زمنه لدى مجايليه من شعراء الحجاز.

دراسات أكاديمية في شعره

ومن آيات نبوغه الشعري وبروزه كشاعر يشار إليه بالبنان، قيام عدد من النقاد والشخصيات الأدبية المرموقة بالكتابة عن أشعاره، من أمثال طه حسين وأحمد كمال زكي، وحسن فهد الهويمل، وسعد عبدالمقصود ظلام، وصابر عبدالدايم. هذا ناهيك عن اهتمام الباحثين وطلبة الدراسات العليا في كليات الآداب بأشعاره وحياته الأدبية من خلال إعداد رسائل الماجستير حولها، ومن أبرزها رسالة بعنوان «عبدالله الفيصل، حياته وشعره» للباحثة بجامعة السوربون منيرة العجلان، ورسالة بعنوان «ظاهرة الاغتراب في شعر إبراهيم ناجي وعبدالله الفيصل» للباحث بجامعة الأزهر عزت محمود علي الدين، ورسالة بعنوان «شعر عبدالله الفيصل في المنظور الأدبي والنقدي» للباحثة بجامعة الدمام حورية محمد العتيبي.

ومن دلائل التقدير لشخصه ومكانته الشعرية والأدبية، أنه منح الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية بقرار من مجلس أمناء أكاديمية العلوم والثقافة المتفرعة عن «مؤتمر الشعراء العالميين»، المنعقد بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية عام 1981، ومنح جائزة الدولة التقديرية في السعودية عام 1985، وحصل على اللوحة الألفينيسية لمدينة باريس عام 1985، من يد عمدتها آنذاك جاك شيراك، علاوة على تكريمه من قبل العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، بمنحه عضوية الأكاديمية الملكية المغربية سنة 1986، وحصوله في عام 1989 على شهادة دكتوراه فخرية أخرى في الأدب والعلوم الإنسانية من جامعة شو بولاية كارولاينا الجنوبية الأمريكية، كما تم تكريمه في بلاده من خلال إطلاق جائزة شعرية تحمل اسمه (جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية للشعر العربي) في نوفمبر 2018.

أغنيتان لأم كلثوم

على أن الاهتمام الأكبر بأعماله الشعرية تجلى في حرص الكثيرين من نجوم الغناء المحليين والعرب على تلحين وغناء قصائده، وكان في مقدمة هؤلاء السيدة أم كلثوم، التي شغف سموه بجمال صوتها وأدائها المتميز للقصيدة العربية، فغنت له في عام 1958 قصيدته الخالدة «ثورة الشك»، ثم غنت له في عام 1972 قصيدة «من أجل عينيك عشقت الهوى». وبهذا فقد غنت أم كلثوم له أغنيتين عاطفيتين، هي التي لم تغن لشعراء عرب من خارج مصر سوى أغنية واحدة لكل منهم، باستثناء الشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني الذي غنت له أيضاً قصيدتين لكنهما كانتا وطنيتين تمجدان الكويت.

ومن نجوم الطرب المصريين الذين غنوا أيضاً من كلماته: عبدالحليم حافظ الذي غنى له أولاً في عام 1955 قصيدة «سمراء يا حلم الطفولة» من ألحان كمال الطويل، ثم غنى في عام 1973 من كلمات سموه وألحان محمد الموجي أغنية «يا مالكاً قلبي»، غير أن المطربين السعوديين استأثروا بحصة الأسد من قصائد الأمير، وكانت البداية مع عميد الأغنية السعودية الموسيقار طارق عبدالحكيم، الذي كان أول من غنى ولحن قصيدة له، وذلك في عام 1951 حينما زلزل ساحة الطرب برائعة «يا ريم وادي ثقيف»، التي ذاع صيتها وانتشرت في البلاد العربية بأصوات آخرين. إلى ذلك، قام المنشد الكويتي مشاري العفاسي باختيار قصيدة «إلى الله»، ولحنها وأنشدها عام 2008.

دواوين فصحى ونبطية

ولعبدالله الفيصل، الذي كان يوقع أشعاره باسم «المحروم»، وكان صالونه عامراً على الدوام باللقاءات الشعرية والأدبية ومكاناً لاستضافة عمالقة الفن والشعر العرب، عدد من الدواوين الشعرية، منها: ديوان جمع فيه قصائده الفصحى الأولى وأصدره عام 1953 بعنوان «وحي الحرمان»، وديوان آخر احتوى على قصائده الفصحى اللاحقة وصدر عام 1980 بعنوان «حديث القلب» وتمت ترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية، وديوان ثالث تضمن قصائده النبطية وأصدره عام 1985 تحت عنوان «مشاعري»، إضافة إلى ديوانين آخرين هما: «وحي الحروف»، و«خريف العمر».

وزير بحقيبتين

في بدايات شبابه، وتحديداً في أواخر الأربعينات، عينه جده وكيلاً لنائب جلالته في الحجاز، فكان ينوب عن والده الأمير فيصل في إدارة مجلس الوكلاء، ويشاركه في بعض مهماته الإدارية، ولاسيما تلك المتعلقة بمكة المكرمة. وبصفته تلك، ومن أجل أن يتعرف على العالم الخارجي، اختاره الفيصل إلى جانب أعمامه الأمراء محمد وفهد ونواف في الوفد الذي ترأسه للسفر إلى الولايات المتحدة سنة 1945، فكان شاهداً على واقعة توقيع والده على ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو في تلك السنة، وانضمام بلاده إلى هيئة الأمم المتحدة كعضو مؤسس. وحينما شكلت أول حكومة سعودية في حياة الملك عبدالعزيز سنة 1950، قبل تأسيس مجلس الوزراء، وكانت مكونة من رئيس (ولي العهد الأمير سعود) وأربعة وزراء فقط لإدارة خمس حقائب وزارية، عُهدت إليه حقيبتا الداخلية والصحة، فدخل تاريخ بلاده كأول وزير للداخلية وأول وزير للصحة، علماً بأنه احتفظ بالحقيبتين معاً في التشكيل الوزاري الثاني برئاسة الملك سعود سنة 1953، قبل أن يخرج من الحكومة في التشكيل الوزاري الثالث سنة 1960، حيث خلفه في الداخلية عمه الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز، وخلفه في الصحة الدكتور حسن بن يوسف نصيف.

إحياء الحركة الرياضية

إبان توليه وزارة الداخلية، التي كان من ضمن مسؤولياتها آنذاك قطاع الرياضة والكشافة، لعب دوراً مهماً في إحياء وتنظيم وتطوير الحركة الرياضية والنهوض بها. فعلى سبيل المثال ساهم في إقامة أول دوري رسمي منظم لكرة القدم السعودية على كأس باسمه بين فرق مكة وجدة، وشارك في تأسيس الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم سنة 1954، وتمكن بجهوده من حصول بلاده على عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في عام 1956، وأسس صندوق اللاعبين عام 1955، وكان وراء فكرة اعتماد ثلاث بطولات سعودية لكرة القدم على رأسها كأس الملك وكأس ولي العهد.

عشق الأهلي

والحقيقة أن من يؤرخ للأمير عبدالله الفيصل لا يمكنه أن يتجاوز مآثره وأياديه البيضاء على الأندية السعودية بصفة عامة، وعلى النادي الأهلي بجدة بصفة خاصة، إذ إنه عشق أهلي جدة وصار من أحب الأندية السعودية إلى قلبه، وبالتالي وقف طوال حياته داعماً رئيسياً له بالمال والتشجيع والتوجيه، ما مكن النادي من استقطاب ثلة من أفضل اللاعبين المحليين والأجانب الذين حققوا له البطولات ورفعوه إلى منصات التتويج. وقد بادله الأهلاويون الحب بالحب فأطلقوا اسم «عبدالله الفيصل» على استاد ناديهم. ومما يجدر بنا ذكره في هذا السياق، أن عشق الأمير للأهلي امتد إلى خارج السعودية، فدعم النادي الأهلي المصري وتنازل عن بعض أصوله وأمواله في مصر لصالح النادي لينشئ بها قاعة حديثة مغطاة للألعاب الرياضية.

التفرغ للعمل الخاص والإنساني

بدءاً من مطلع الستينيات الميلادية، ترك الأمير العمل الحكومي وتوجه نحو العمل الخاص، فقام بإنشاء مجموعة الفيصلية التي تعد من كبريات المؤسسات التجارية والمالية والاستثمارية السعودية ذات الأنشطة المتعددة. غير أنه لم يتخل عن اهتماماته الشعرية والرياضية والفكرية فواصلها في خضم أعبائه ومسؤولياته، التي شملت رئاسته لمجلس أمناء مؤسسة الملك فيصل الخيرية، التي تصدر عنها جائزة الملك فيصل العالمية، وعضويته في مجلس أمناء مؤسسة الفكر العربي، ورئاسته لمجلس إدارة شركة النقل البحري السعودية.

وبسبب جهوده في مجال الرياضة السعودية تم تكريمه بإطلاق اسمه على ملعب رعاية الشباب بجدة، وذلك بأمر من خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان ولياً للعهد، كما حملت اسمه بطولة الصداقة الدولية التي أقيمت لعدة سنوات في مدينة أبها.

ومن جهة أخرى، لم تغب مجالات العمل الإنساني عن قائمة اهتماماته، فقد كان حاضراً فيها من خلال مبادرته المتكررة لتسديد الديون عن عدد معتبر من السجناء والمعسرين، ومساعدة الأسر الفقيرة وقضاء حوائجها.

تمكين الاتحاد

ويتذكر رياضيو الحجاز القدامى للأمير دوره البارز في استئناف مباريات كرة القدم بمدينة جدة مطلع الأربعينيات، بعد أن صدر الأمر بإيقافها لمدة عام كامل على إثر تزايد أعمال العنف والخشونة بين اللاعبين الجداويين في مبارياتهم على نحو ما حدث في أول مباراة بين فريق الاتحاد وفريق البحري عام 1933. حيث استجاب سموه لالتماس تقدم به مؤسس نادي الاتحاد الجداوي ولاعبه الأبرز حمزة فتيحي لمساواتهم بفرق مكة التي لم توقف مبارياتهم. وطالما أتينا على ذكر نادي الاتحاد (عميد الأندية السعودية)، فمن المفيد أن نشير إلى أن الأمير وجد في «الاتحاد» نواة طيبة لمستقبل رياضي سعودي مشرق، فحرص على حضور مباراته الكبيرة الأولى مع فريق البارجة البريطانية «جون هور»، التي أقيمت بجدة عام 1949، والتي فاز بها الاتحاد 2/‏‏1. وكان هذا دافعاً للأمير بصفته مسؤولاً عن الرياضة أن يطلب من وزير المالية، وقتذاك الشيخ عبدالله السليمان الذي رافقه في حضور المباراة المذكورة، زيادة بند مخصصات الرياضة في ميزانية وزارته. كما كان دافعاً للأمير أن يتكفل بنقل فريق الاتحاد إلى القاهرة كي يتعرف عن كثب على الكرة المصرية الأكثر تطوراً آنذاك ويحتك بفرقها المعروفة. وهكذا سنحت الفرصة للاتحاد أن يرسي أقدامه ككيان رياضي صلب قبل سنوات من الاعتراف الرسمي بالرياضة في المملكة العربية السعودية وما تلاه من تشكيل أجهزتها وهياكلها التنظيمية في عام 1952.