تقول كل من جوجل ومايكروسوفت إن حقبة جديدة من البحث الذي يستند إلى الذكاء الاصطناعي قادمة، ولكن كما هو الحال مع أي حقبة جديدة في التكنولوجيا، فإنها تأتي مع الكثير من التطورات، وكذلك الكثير من المشاكل.
من الواضح أن السوق التقني يأخذ أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي على محمل الجد، إذ كان الأمر واضحًا من المعركة التي شاهدناها الأسبوع الماضي بين شركتي جوجل ومايكروسوفت حول دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في محركات البحث.
منافسة جديدة شرسة بين جوجل ومايكروسوفت:
لقد بدأت هذا العام منافسة جديدة شرسة بين شركتي جوجل ومايكروسوفت، فبعد سنوات من الهدوء النسبي، تدفع شركة مايكروسوفت جوجل دفعًا إلى سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي بالرغم من أن جوجل رائدة في هذا المجال، ولكنها تتعامل بحرص شديد مع منتجات الذكاء الاصطناعي ولا تُطلقها حتى تثق بأدائها، نظرًا إلى مشاكلها الكارثية.
يمكننا القول إن الحرب الجديدة بين جوجل ومايكروسوفت بدأت فعليًا في نوفمبر 2022؛ عندما أطلقت شركة (OpenAI) المدعومة من مايكروسوفت روبوت ChatGPT، وانتشرت التكهنات كالنار في الهشيم أنه سيكون بديل محرك بحث جوجل، على الرغم من أن هذا احتمال بعيد وغير منطقي بالمرة.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
ومع بداية عام 2023؛ بدأت مايكروسوفت خطواتها الجدية في سوق الذكاء الاصطناعي؛ إذ رفعت استثماراتها في شركة (OpenAI) لتصل إلى 10 مليارات دولار، وقررت دمج إمكانيات ChatGPT في منتجاتها.
وقد جاء رد شركة جوجل يوم 6 فبراير 2023؛ إذ أعلنت عن إطلاقها الإصدار التجريبي الأول من روبوت الدردشة التفاعلي (بارد) Bard – المشابه لروبوت ChatGPT – الذي يمكنه الرد على الاستفسارات والطلبات المختلفة بطريقة المحادثة، ولكنه سيسحب معلوماته من الويب.
وصرحت جوجل أنه لن يكون مُجرد روبوت للدردشة، بل ستدمج إمكانياته في محركها للبحث، وذلك لتقديم إجابة مُلخصة لما يبحث المُستخدم عنه، إضافةً إلى نتائج البحث التقليدية المُعتادة في محركها للبحث.
وخلال أقل من 24 ساعة؛ أعلنت شركة مايكروسوفت عن دمج إصدار مُحدث من ChatGPT في محركها للبحث بينج ومتصفح إيدج (Edg)، وأطلقت إصدارًا تجريبيًا من محرك بحث Bing الجديد الذي يستند في عمله إلى الذكاء الاصطناعي للمعاينة المحدودة.
وصرحت مايكروسوفت أن النسخة الجديدة من محرك بحث Bing ومتصفح إيدج ستجمع البحث والتصفح والدردشة معًا في تجربة موحدة يمكنك استدعاؤها في أجهزتك المتعددة للحصول على نتائج متعددة بسرعة.
يصف (ساتيا ناديلا) الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت التغييرات بأنها تحول تقني مساوٍ في التأثير لظهور (واجهات المستخدم الرسومية) GUI أو الهاتف الذكي. وفي مقابلة مع صحيفة (وول ستريت جورنال) أكد ناديلا أن قدرات الذكاء الاصطناعي سوف تحول بشكل جذري منتجات مايكروسوفت جميعها.
ومع هذا التحول، تأتي إمكانية إعادة رسم المشهد في السوق التقني، إذ تسعى مايكروسوفت للتخلص من هيمنة جوجل على سوق محركات البحث ومتصفحات الويب، ولكن هل ستنجح في ذلك؟
بالتأكيد؛ يأتي كل عصر جديد من التكنولوجيا بمشاكل جديدة، إليك بعض أكبر التحديات التي تواجه محركات البحث التي تستند في عملها إلى الذكاء الاصطناعي:
1- صعوبة التمييز بين المحتوى المزيف والحقيقي:
تُعد هذه هي المشكلة الكبرى التي تواجه الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي المشكلة التي من المحتمل أن نواجهها مع كل تفاعل مع محركات البحث التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، سواء كان محرك Bing الجديد، أو محرك جوجل المدمج فيه روبوت Bard، أو أي محرك بحث آخر سيدخل هذه المنافسة.
إذ تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) التي تستخدم مجموعات بيانات نصية ضخمة من الإنتاج البشري لتتعلم البحث في الأنماط الإحصائية والعلاقات بين الكلمات لتوليد محتوى جديد من خلال التنبؤ بالعنصر التالي ضمن سلسلة من العناصر المحتملة.
لذلك هذه النماذج تستنتج إجاباتها بناءً على البيانات التي دُربت عليها، وهذا هو السبب في أن بعض الخبراء يجادلون بأنها غير مناسبة بشكل أساسي للاستخدام في مهام البحث التي تحتاج إلى الدقة.
تتراوح الأخطاء المتوقعة من هذه الأنظمة؛ بين اختراع بيانات السير الذاتية، وتلفيق الأوراق الأكاديمية إلى الفشل في الإجابة عن أسئلة أساسية مثل: أيهما أثقل: 10 كجم من الحديد أم 10 كجم من القطن؟ وهناك أيضًا المزيد من الأخطاء السياقية، وأخطاء التحيز، مثل: تضخيم كراهية النساء والعنصرية ضد فئات معينة في المجتمع. تختلف هذه الأخطاء من حيث النطاق والجاذبية، وستُصلّح العديد من الأخطاء البسيطة بسهولة، ولكن ماذا عن الباقية؟
لقد ناقش هذه المشكلة الباحثان (Chirag Shah) و (Emily M. Bender) من جامعة واشنطن في ورقة بحثية بعنوان (Situating Search) وتوصلوا إلى أن إدخال (روبوتات الدردشة التفاعلية) ChatBots في محركات البحث سيكون سببًا رئيسيًا لتفاقم هذه المشكلة، لأن روبوتات الدردشة لا تميل إلى تقديم إجابات فردية فحسب، بل تُجمع إجاباتها من مصادر متعددة وغالبًا بدون الإسناد المناسب.
2- كسر حماية روبوتات الدردشة لإنشاء محتوى ضار:
لا شك أنه مع بدء استخدام محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، سيحاول مجموعة من الأشخاص استغلالها لإنشاء محتوى ضار. تُعرف هذه العملية باسم (كسر الحماية) Jailbreak – مثلما تفعل مع هواتف أندرويد أو آيفون من أجل استخدام التطبيقات غير المصرح بها – ويمكن إجراؤها مع الذكاء الاصطناعي بدون مهارات البرمجة التقليدية، لأن كل ما يتطلبه الأمر مع روبوتات الدردشة هو نوعية الكلام التي يمكن تغذيتها بها.
يمكنك كسر حماية روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب، إذ يمكن أن تطلب منها لعب دور شخصية أخرى، مثل: دور روبوت دردشة شرير، إذ إن التجربة مع ChatGPT أثبتت أن المفتاح الأول لتجاوز مرشحات الإشراف الخاصة به هو لعب الأدوار.
وقد قام بذلك مجموعة من المستخدمين بالفعل، من خلال أخبرهم روبوت ChatGPT أنه نموذج مختلف للذكاء الاصطناعي يسُمى DAN – وهو اختصار (Do AnyThing Now) أي افعل أي شيء الآن – يمكنه فعل أي شيء. لقد جعلت هذه المجموعة الروبوت يقول كل شيء من الكلمات السيئة، والإهانات، إلى نظريات المؤامرة باستخدام هذه التقنية. كما نُشرت نماذج هذه الطريقة في موقع Reddit.
وهناك طريقة أخرى لكسر حماية روبوتات الدردشة عن طريق التظاهر أنك مهندس يتحقق من الضمانات (safeguards) الخاصة بها عن طريق فك تشفيرها مؤقتًا.
وبمجرد انتشار طرق كسر حماية روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها في إنشاء أنواع مختلفة من المحتوى الضار، مثل: إنشاء معلومات مضللة، ورسائل غير مرغوب فيها، أو تقديم المشورة حول كيفية مهاجمة مدرسة أو مستشفى أو توصيل قنبلة أو كتابة برامج ضارة.
ونعم؛ بمجرد أن تصبح حالات كسر الحماية هذه علنية، يمكن للشركات تصحيحها، ولكن ستكون هناك دائمًا تأثيرات غير معروفة.
الجدير بالذكر أن مايكروسوفت عانت من هذه المشكلة سابقًا، عندما أطلقت في عام 2016 روبوت دردشة يُسمى (Tay) وأوقفته عن العمل في غصون 16 ساعة من إطلاقه بسبب انتقادات لاذعة للشركة بعد أن بدأ الروبوت بنشر تغريدات عنصرية مسيئة، ووفقا لمايكروسوفت فإن السبب في ذلك المستخدمون الذين علموا الروبوت إجابات مسيئة. فهل لدى مايكروسوفت في 2023 خطة واضحة للتغلب على هذه المشكلة!
3- التكلفة الكبيرة لروبوتات الدردشة:
يتفق الجميع على أن تشغيل روبوتات الدردشة التفاعلية يكلف أكثر من محركات البحث التقليدية. أولًا؛ هناك تكلفة تدريب النموذج اللغوي، التي من المحتمل أن تصل ملايين الدولارات لكل تكرار، ثم هناك تكلفة الاستدلال أو إنتاج كل استجابة.
وقد قدر الخبراء أن روبوتات الدردشة يمكن أن تُكلف سبعة أو ثمانية أضعاف تكلفة البحث التقليدي عبر الإنترنت. لذلك فإن التكلفة المرتفعة لتوليد إجابات نصية كاملة تهدد نجاح محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي وانتشارها.
ولكن بالنسبة لشركة مايكروسوفت يبدو أن حرق الأموال لإيذاء المنافسين هو الهدف الحالي، إذ أنفقت الشركة مليارات الدولارات في الأيام الأولى من محاولة تطوير محرك Bing للتنافس مع جوجل، وقد تكون هوامش الربح المنخفضة تكلفة مقبولة للحصول على فرصة الفوز بحصة سوقية كبيرة في النهاية.
وقد صرح (ساتيا ناديلا) في مقابلة مع موقع (The Verge) أن الشركة ترى أن هذه فرصة نادرة لتغيير توازن القوى في التكنولوجيا وهي على استعداد للإنفاق لإلحاق الضرر بأكبر منافس لها.
في غضون ذلك، تقول معظم الشركات الناشئة في مجال البحث إنها تأمل في تجنب الاعتماد على الإعلانات، ولو فقط لتمييز نفسها عن جوجل، كما يفعل محرك بحث جديد يُسمى (You.com) يستند في عمله إلى الذكاء الاصطناعي لينافس محرك جوجل المهيمن على السوق.
ومع ذلك، لم تختبر أي من الشركات التي جربت الذكاء الاصطناعي في البحث حتى الآن إذا كان المستهلكون على استعداد للدفع مقابل شيء ما يتلقونه حاليًا مجانًا.