سبعة شروط قبل التهجير ..

اجتاحت قوات الاحتلال مدن وقرى ومخيمات في الضفة الغربية ضمن عدوان جديد سمته “مخيمات صيفية”، بدأته بالتركيز على المخيمات، لأنها تجسّد معاني سياسية كبيرة، أهمها قضية اللاجئين وحق العودة.. وذلك في سياق حرب منظمة وممنهجة تجري بلا هوادة منذ عقود طويلة، شملت مخيمات لبنان وسورية والعراق، وقضية اللاجئين جزء من صفقة القرن ومن تصورات الحل النهائي بحسب الرؤية الإسرائيلية.
هذا العدوان بحجمه الحالي سيكون محدوداً بزمنه وجغرافيته وأهدافه، بمعنى أنه لن يتطور إلى عدوان شامل كما حدث في غزة، ولن تستخدم إسرائيل سوى جزء معين من قوتها. 
وفي حدوده الحالية لا خطر حقيقياً بشأن تفريغ المخيمات ودفع سكانها للنزوح والتهجير.. لكن خطر التصعيد يظل قائماً، ومخططات النزوح والتهجير حقيقية، لكن أوانها لم يحن بعد.
لن تنتقل إسرائيل إلى الخطوة التالية وهي الأهم والأخطر في الضفة إلا بعد استيفاء جملة من الشروط ونضوج بعض العوامل. 
والخطوة التالية ستكون التصعيد المتدرج وزيادة وتيرة استخدام القوة ومحاولة نقل واستنساخ نموذج غزة، وصولاً إلى بدء تنفيذ مخطط الترانسفير، وذلك بعد تحقيق الآتي:
أولاً: تهيئة الرأي العام العالمي وإقناع الحكومات والدول الغربية وصناع القرار والمؤثرين بالصلة بين المقاومة في الضفة من جهة وبين إيران من جهة ثانية، فكما نجحت في إقناع الدول بأن أصل المشكلة الفلسطينية وسببها هو هجمات حماس في السابع من أكتوبر، وإقناعهم بأن حماس “إرهابية”، وأن إسرائيل تعرضت لهولوكوست جديد، وأن 7 أكتوبر النسخة الفلسطينية عن 11 سبتمبر، وأن إسرائيل تدافع عن نفسها.. ما مكّنها من ممارسة كل هذا الإجرام وبهذا الحجم المهول وغير المسبوق دون أن تتعرض لانتقادات جدية من قبل الدول المؤثرة. 
وللوصول إلى نتيجة ومبررات مشابهة في الضفة ستخلق علاقة بين المقاومة الفلسطينية وإيران، وستقول للعالم إنها تحارب إيران ونفوذها وذراعها في الضفة.
ثانياً: ستقنع العالم بأن المقاومة في الضفة لا تقل قوة عن شقيقتها في غزة، وأن الأمر يوجب حملة عسكرية كبيرة، وأن القتل والتدمير والتخريب مبرر.. (رغم أن المقاومة في الحقيقة لا تمتلك سوى أسلحة فردية بسيطة). 
وفي هذه المهمة ستحتاج معاونة “الجزيرة”، والتي تستخدم نفس الآلية التي استخدمتها في غزة: تضخيم قوة المقاومة، والمبالغة في تصوير الحدث، والتركيز على أن ما يجري ليس عدواناً، بل هي “معارك ضارية” و”اشتباكات عنيفة” بما يوحي أنها بين جيشين، وبنفس المصطلحات: كمين مركب، قناصة، استهداف آليات العدو، تفجير جرافة، عبوات ناسفة شديدة الانفجار، حقول ألغام، محاور القتال.  
إسرائيل ولأول مرة تستخدم تقنيات عسكرية لا ضرورة لها، ولا تتناسب مع الأهداف: عمليات إنزال، استخدام مسيّرات، تجريف شوارع، تخريب البنية التحتية، حصار مستشفيات، قصف بالطائرات.. (كانت سابقاً تكتفي بالاقتحام والاعتقال، وفي حالات معينة تلجأ للاغتيال) وكل هذا الاستعراض الفائض للقوة بهدف نقل واستنساخ صورة ما يجري في غزة إلى شمال الضفة (كخطوة أولى) حتى تختلط الصورة على العالم والمتابعين، فكما اعتاد العالم على صور غزة (رغم شدة المأساة)، واعتادوا على جرائم القصف والمجازر (رغم وحشيتها)، وصار الأمر مقبولاً واعتيادياً سيكون كذلك في الضفة. 
ثالثاً: تعمُّد إحراج السلطة، وإظهار ضعفها وعجزها، والتحريض عليها، وإثارة الرأي المحلي ضدها، وصولاً إلى جر قوى وأشخاص إلى استهداف مقراتها (وهذا يترافق مع حصارها مالياً وسياسياً، واحتجاز أموال الضرائب، واتهامها بدعم الإرهاب) وبعد إضعافها ستكون الفرصة مواتية لإسقاطها، واستبدالها بحالة من الفوضى والاضطرابات الأمنية والاقتتال الداخلي، وحصول فراغ سياسي وحرمان الفلسطينيين من أي جهة تمثلهم.
رابعاً: مع أجواء الحرب العدوانية التي ستنهي المقاومة، أو تضعفها إلى أبعد حد، ومع أجواء الفوضى الداخلية، وإطلاق المستوطنين ليعيثوا فساداً في القرى والبلدات وعلى الطرقات.. ستكون الفرصة مواتية لتنفيذ مخططات التهجير إلى الأردن. وسيكون الهروب من هذا الجحيم مطلب كل شخص يبحث عن نجاته. 
خامساً: لإنجاح مخطط التهجير يجب إضعاف الأردن من خلال حملة تحريض ضد الدولة لمحاولة خلق متاعب لها.
سادساً: ستكون الفرصة أكثر ملاءمة في حال نشوب حرب إقليمية، حينها ستكون قضية التهجير من النتائج العادية لأي حرب، ولن يكون بمقدور أحد منعها.
سابعاً: كل هذه الشروط تتطلب رضا وقبول الإدارة الأميركية، وقد سبق لإسرائيل أن فرضت رؤاها على البيت الأبيض، فإذا نجحت في خطواتها المتدحرجة لن تجد أميركا مفراً من الموافقة عليها، هذا إذا لم يكن كل ذلك ضمن اتفاق مسبق.  
إذا امتلكنا الوعي، وتصرفنا وفكّرنا بعقلانية وحكمة، سنفوّت الفرصة على إسرائيل، ولن نقع في مصيدتها.. وهذا لا يعني انتهاء المشكلة وتوقف الصراع، بل يعني العودة به إلى مساره الأول: حالة اشتباك يومي ومقاومة شعبية ضمن إمكانات وقدرات الشعب، ووفقاً لمصلحته الوطنية.
المشكلة أنه في حالة الحروب، ومع الاجتياحات تستفحل مشاعر الغضب والخوف الغريزي، وفي العادة مثل هذه المشاعر السلبية تطغى على التفكير العقلاني، وتستبدله بالعاطفي والرغائبي، وأحياناً بالمزاودات.