محمد فهد الشوابكه رئيس تحرير مجله مال واعمال وموقع بوابة اوكرانيا الاخباري
بقلم:محمد فهد الشوابكه رئيس تحرير مجله مال واعمال وموقع بوابة اوكرانيا الاخباري
بدأ التوتر يخيم على القطاع الاقتصادي الروسي منذ أن لوحت روسيا بغزو أوكرانيا، وما أن بدأت بشن هجومها على أوكرانيا، انقلبت الموازين الاقتصادية في روسيا رأسًا على عقب، على الرغم من الإجراءات الاحترازية الكثيرة التي اتخذتها مع شركاؤها الاستراتيجيين، عقوبات تلو العقوبات من الجميع بسرعة لم تكن متوقعة ولم تمارس ضد أي دولة على مر التاريخ.
العالم بعد الحرب العالمية تغير بشكل كبير؛ ولم تعد الحروب تقتصر على المواجهات العسكرية، “بل صنفها بعض الخبراء انها قد تكون الأقل تأثيراً على المدى القصير والبعيد” فالحروب الاقتصادية أكثر تأثيراً وضغطاً على الدول والشعوب.
ها نحن نرى العالم يتفق على تصنيف روسيا دولة معتدية تمارس غزواً قاسياً ضد دولة تخلت في يوم من الأيام عن ترسانتها النووية لأجل السلام، لتبعث رسالة قوية للعالم أنها دولة مسالمة لم ولن تسعى للحرب قط.
عقوبات تلو العقوبات أدت الى شلل في القطاعات الاقتصادية الروسية، تزامن معها قطيعة دولية، عقوبات اقتصادية رافقتها عقوبات تكنولوجية، جعلت روسيا دولة شبه معزولة عن العالم.
سيطول ذكر الجهات والدول التي فرضت العقوبات على روسيا، والدول التي نددت بعدوانها على أوكرانيا، ولكن هنا دعونا نتوقف عند أبرز التأثيرات المباشرة التي لحقت وستلحق بالاقتصاد الروسي منذ بدء العدوان على أوكرانيا.
حيث تم تجميد روسيا اقتصادياً واستنزافها عسكرياً وعزلها سياسياً، مما سيكون له اثارا كبيرة في كل مواقع نفوذها وتحالفاتها مع شركاؤها الدوليين؛ وسيكون هنالك الكثير من العوائق في تمويل أنشطتها في تلك البلدان كفنزويلا وسوريا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول وعلاقاتها التجارية معها؛ والسؤال كيف ستحافظ روسيا على مكانتها في الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، و”أوبك +”، ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمجموعة الاقتصادية الأوراسية، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، واتحاد الدول المستقلة، ومنظمة شانغهاي للتعاون، بل كيف ستكون صورتها أمام شعوب العالم المتحضر الباحث عن السلام؟
ويعد انقطاع روسيا عن النظام المالي العالمي، احد أبرز المؤشرات الخطيرة التي تهدد اقتصادها والذي سيؤذي صفقاتها مع العالم والعالم العربي وحلفاؤها، كون معظم دول العالم الأعضاء في منظمة التجارة العالمية وتعتمد عليها في معاملاتها التجارية وهي جزء من النظام المالي والتجاري العالمي، والكثير منها له علاقة استراتيجية وخاصة مع حلف الناتو والمعسكر الغربي، فالعقوبات المالية والتجارية الصارمة التي فرضت على روسيا من امريكا والدول الأوروبية ستصعب على هذه الدول التعامل معها؛ فروسيا دولة معزولة عن العالم اقتصادياً وقطاعها المصرفي سيصبح مغيباً بالكامل عن الأنظمة العالمية، وبالتالي سيصعب عليها التعامل مع دولة معزولة ومقطوعة وعليها عقوبات مالية وتجارية دولية صارمة، وعلى الجانب الآخر فإن معظم الدول العربية فضلت الحيادية والوقوف على مسافة واحدة من هذه الأزمة، وأنها ليست ملزمة باستمرار العلاقات التجارية في حال انقطاع أدوات الدفع المصرفي وقنواته أو حال فرض عقوبات دولية على التعاملات المالية مع روسيا.
إن أقوى ضربة مالية تلقاها الاقتصاد الروسي منذ بدء الأزمة هي ازالة البنوك الروسية من الأنظمة البنكية العالمية “سويف”.
فمنذ أن لوحت روسيا لغزو أوكرانيا بدأت العملة الروسية “الروبيل” بالتراجع الى أن وصلت الى أدنى المستويات، ووصل الأمر بوصفها من قبل وزير الدفاع الأوكراني “الروبيل الروسي يتحول الى ورقة عادية ليس لها قيمة”.
وها نحن نرى اليوم أن مؤسسات الدفع العالمية تبدأ إيقاف المدفوعات من خلال أنظمتها فـ”ماستركارد وفيزا” أوقفا تعاملاتها مع البنوك الروسية؛ وقد يعتبر القارئ أن هذا القرار أمراً عادياً، ويمر عليه مرور الكرام، إلا أنه في الحقيقة يعتبر تطوراً كبيراً في العقوبات التي يتعرض لها القطاع المصرفي الروسي، لأن الأمر لا يقتصر على التعاملات مع البنوك وإنما لما سيتعرض له شريحة كبيرة من الناس من تأثير، فتخيل نفسك مواطن روسي مسافر الى خارج روسيا ولا تمتلك المال وتريد استخدام بطاقة الصراف الآلي لقضاء احتياجاتك اليومية، ويظهر أمامك على لوحة جهاز الصراف الآلي “هذه العملية مرفوضة وعليك مراجعة البنك الذي أصدر لك البطاقة”، إيقاف التعامل ببطاقة ماستركارد وفيزا آثاره لم تتوقف عند اقتصاد الدولة فحسب بل طالت شريحة كبيرة من المواطنين الروس.
من هنا.. فيمكننا القول أن الأزمة الاقتصادية التي حلت بالاقتصاد الروسي في وقتنا الراهن، ما هي الا بداية انطلاق أزمات اقتصادية أكبر، فالعقوبات تتصاعد يوماً عقب يوم ولا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث ليس في المستقبل وإنما بعد لحظات.. والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ماذا بعد؟ وهل نحن في طريقنا الى أزمة كساد عالمي جديد كتلك التي تسببت في الحرب العالمية الثانية!!.