| «الدنيا جت عليه».. عم عادل «حداد بريمو» حوله المرض لعجوز «بيلم كانزات»

عقارب الساعة تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، السكون فرض سطوته على الشوارع، بلا مارة أو مركبة، أحدهم تأخر في عمله فاستقل سيارة ميكروباص، وآخر شق الطرقات الفارغة بعربته ليلحق موعد عشاء زوجته، الكل يسارع الوقت لاحتضان أحلامه. 

«الستيني» يسير ببطء، هموم الدنيا فوق كتفيه الهزيلين، يتكأ على عصاة منحولة تساعده في المشي، وفي يده يحمل حقيبة كبيرة، تزخر برزقه اليومي، شيء على الأرض يشتت انتباهه، يلتقط «علبة كانز»، ثم يضعها في حقيبته.

أشرف محمد، رجل يبلغ من العمر 60 عامًا، ولا يجد له عملًا سوى «جمع الكانزات»، من أجل كسب الرزق، بعدما ألمت به ظروف جعلت منه شخصًا آخر، وأضحى مضطرًا لتلك المهنة التي يراها مهينة لشيبته، إلا أن نظريته في الحياة الممزوجة بـ عزة النفس جعلته يتشبث بها، «مش أحسن ما أمد إيدي وأشحت؟».

كلمات أغنية المطرب الراحل محمد رشدي «دنيا غرورة وكدابة زى السواقى القلابة»، تنتطبق تمامًا على حال «عم عبده»، الذي عاش حياته صنايعي حداد، ماهر في مهنته، يصنع النوافذ والأبواب، حتى كبر سنة ووهن عوده، قدميه أصبحت تؤلمانه من الوقوف، ولم يعد ساعده قويًا كما كان،  ولكنه استمر في السعي دون شكوى، قبل أن يمرض فجأة ويكتشف معاناته.

جلطة في قلب الرجل الستيني، بدلت حاله للأسوأ 180 درجة، على حد قوله لـ«»، فمن شخص يعمل يوميًا بمقابل مجزي دون الحاجة لأحد، لشخص عاجز عن العمل يتحسس الطرق بحثا عن قطع بلاستيكية يجمعها ليكسب من ورائها، «عملت أسطرة وركبت دعامة وعندي مشكلة في الشرايين، والدكتور قاللي ماتشتغلش شغلانتك دي تاني ولازم راحة تامة».

الساعة العاشرة مساءً هو موعد نزول «أشرف» من منزله، لا يتجه لمكان بعينه بل يجوب الشوارع بحثًا عن فضلات عبوات المياة الغازية، ليجمعها ويبيعها بالكيلو، «بلم الكنزات لحد ما أجمع كيلو ولا 2، الكيلو 60 واحدة، وبفضل ألم فيهم من 10 بليل لحد الفجر، وبعدين أروح أنام وأصحى بدري أبيعهم لبتاع الخردة، وسعر الكيلو بـ21 جنيها».

يعيش الرجل الأصلع ذواللحية البيضاء، في منطقة داير الناحية بالدقي في محافظة الجيزة، رفقة زوجته المريضة وولديه، الأكبر عامل ديليفري عمره 30 عامًا متزوج وحاصل على دبلوم، والصغير طالب في الفرقة الرابعة بمعهد حاسبات ومعلومات، يعيشون في المنزل الذي ورثه «أشرف» عن والده.

يشير «بائع الكانزات» إلى قميصه المتسخ وبنطاله المهلهل، قائلًا، «الدنيا جت عليا أوي والزمن غفلني، أنا نفسي بس ألاقيلي شغلانة بسيطة أو كشك أفتحه، وآكل منه عيش بدل قلة القيمة اللي على كَبَر دي، أنا أوقات بقابل بلطجية بليل وساعات بيثبتوني بمطاوي، ومُنى عيني كمان ابني يتخرج ويتوظف وآخد معاش والدي اللي موقفينه، والدنيا تضحك لي تاني بعد ما إدتني ضهرها».