كان يومًا شديد البرودة، مصحوبًا بأمطار غزيرة اطفأت لهيب حرب الاستنزاف التي كانت تخوضها مصر وشعبها عقب هزيمة 67، لتتبدل بانتصار ثقافي سلاحه الكتاب والمعرفة تجسد في أول دورة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي انطلقت في 22 يناير عام 1969 بأرض المعارض بالجزيرة «دار الأوبر المصرية حاليًا»، بمشاركة 27 دولة وما يقرب من 400 دار نشر.
استقبل العُرس الثقافي زواره بقيادة الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك، الذين وصل عددهم إلى 70 ألف زائرًا على مدار 10 أيام، لتتحول فكرة الفنان عبدالسلام الشريف، لحقيقة ملموسة، بعد أن قدم مقترحًا لوزير الثقافة، لإقامة معرض للكتاب، وبدأت الفكرة تكبر وتتطور من خلال خطة أشرفت عليها المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر «الهيئة المصرية العامة للكتاب حاليًا»، وشارك فيها العديد من العاملين في المجال الثقافي، من ضمنهم إسلام شلبي الذى أرسله الوزير لسوق الكتاب في الدولي في ليبزج، للتعرف على حركة النشر والمشتركين والكتاب للإعداد لأكبر معرض للكتاب في العربي والأفريقي والثاني عالميًا.
كانت الدورة الأولى لها بالغ الأثر في نفوس جميع فئات المجتمع المصري، بخاصة الجامعات والهيئات العالمية التي وجدت ما تبحث عنه من مراجع وكتب بأسعار رمزية، وتم إنشاء ناديًا للكتاب باشتراك بـ25 قرشًا فقط للطلبة سنويًا، بالإضافة إلى خصم 25% لهم لشراء أي كتاب يباع في مكتبات مؤسسة التأليف والنشر بحسب ما جاء في كتاب «حكاية أول معرض دولي للكتاب» للكاتب محمد سيد ريان.
وقد وضعت المؤسسة التي كانت تتولى رئاستها الدكتورة سهير القلماوي، في سنوات المعرض الأولى عدة ضوابط منها ألا يعرض كتاب مر على نشره 5 سنوات، باستثناء المراجع والقواميس، بينما تحدث الدكتور ثروت عكاشة في افتتاح الدورة الأولى عن ضرورة استغلال فرص المعرض كي يتدارس الناشرون وسائل إخراج الكتاب بأحسن صورة وعرضه لأكبر عدد من الناس وحماية حقوق المؤلف وجماهير القراء.
بينما أكدت الدكتورة سهير، على أن الكتاب لم يعد سلعة ولا تسلية، وإنما وسيلة فعالة لكل تقدم حضاري ينشر على رقعة واسعة من الشعب.
أما إسلام شلبي مستشار مؤسسة التأليف والنشر للتوزيع الخارجي والمشرف علي المعرض، تحدث عن الاتصالات التي أجراها بالخارج وأسواق الكتب والكتاب العالمية، مُشيدً بالإقبال الجماهيري في أول دورة بحسب الكتاب، وكتب عن المعرض عدد من الشخصيات البارزة منهم الدكتور بطرس بطرس غالي، الذي كتب مقالًا في جريدة الأهرام يتحدث فيه عن مشكلات الكتب الجامعية وغيرها.
شهدت الدورة الأولى إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، وفتحت إدارة المعرض الأبواب للزائرين من العاشرة صباحًا وحتى السابعة مساءً، دون إعطاء العارضين راحة نتيجة الإقبال الملحوظ على مدار أيام المعرض الـ10 وظل المعرض كرنفال ثقافي ينتظره جميع أفراد الأسرة كل عام حتى وصل عمره 54 عامًا ومستمرًا في إنارة العقول واحتضان المثقفين ومُحبي القراءة من كل مكان.