في أحد شوارع حي السيدة زينب بمحافظة القاهرة، تجلس السيدة السبعينية «ربيعة حسين»، مرتدية عباءتها السوداء وشالًا يحيط برأسها لا يظهر سوى وجهها النحيف، خلف طاولة خشبية كبيرة تحمل على سطحها العديد من الجرائد مختلفة الأسماء والأشكال، تكشف قسمات وجهها تفاصيل رحلة طويلة في عالم الأخبار المطبوعة امتدت لأكثر من نصف قرن.
54 سنة في بيع الصحف
اشتهرت «ربيعة»، صاحبة الـ 70 عامًا، وسط عشاق قراءة الصحف من سكان حي السيدة زينب، بدعواتها الجميلة وأمنياتها الطيبة الصادقة التي تُمطرها على زبائنها كلما قصدوها للشراء أو حتى ألقوا عليها التحية من بعيد، ما جعلها تسكن قلوب معظمهم ويسعوا للاطمئنان عليها إن غابت يومًا عن الشارع: «أكتر حاجة حببتني في بيع الجرايد إنها عرفتني على ناس طيبة وجميلة بيحبوني وأحبهم»، بحسب حديث السيدة السبعينية لـ«»، مشيرة إلى أنها تعمل في بيع الجرائد منذ نحو 54 عامًا.
رحلة طويلة بدأتها «الحاجة ربيعة» مع الجرائد، حينما كانت في السادسة عشر من عمرها بعد مجيئها من الصعيد إلى محافظة القاهرة، لتجلس خلف طاولة خشبية تعتليها الجرائد، وهو ما راق لها كثيرًا كطفلة تتعامل مع فئة راقية في المجتمع تقصد الفتاة الصغيرة وطاولتها الخشبية المتواضعة يوميا لتشتري صحيفة تُطالعها باهتمام: «ناس محترمة جدًا وذوق في التعامل وده اللي خلاني أقرر إني مسبش بيع الجرايد لحد ما أموت»، مضيفة: «أنا عاشرت الجرايد دي أكتر من ولادي وأهلي، وبتمنى ربنا ياخدني وأنا واقفة ببيع».
«الحاجة ربيعة»: «أتمنى أن أفارق الحياة أثناء بيع الجرائد»
أسماء وأسعار مختلفة للجرائد ما زالت السيدة السبعينية تتذكرها بوضوح إلى جانب بعض الذكريات التي لا تزال خالدة وحاضرة في ذهنها وكأنها هجرتها قبل يومين، إذ روت كيف تزامنت تجربتها الأولى في بيع الجرائد مع رحيل الزعيم جمال عبدالناصر: «وقتها الجورنال كان بـ 3 تعريفة وكنت ببيع عدد كبير جدًا من النُسخ كل يوم»، وفقًا لـ«ربيعة».
يبدو أن سمو عادة القراءة ومطالعة الصحف، تركت بصمتها على عقل وروح السيدة المُسنة، إذ بالرغم من تهاون صحتها ومعاناتها من بعض المشاكل الصحية، إلا أنها تمتعت بمشاعر الرضا كما ارتفعت بأحلامها وأمنياتها فوق مستوى اهتمامات الجسد: «أنا مش هعيش قد ما عشت.. مش بتمنى بس غير الستر وإن ربنا ياخدني وأنا ببيع الجرايد».