على أحد أرصفة وسط البلد، يجلس علي حلمى، 62 عامًا، أمامه مجموعة من الأوراق البردية، وعدد من اللوحات والخرائط الملونة، في هدوء تام يعرض بضاعته للمارة، عيناه شاردتان، تجاعيد وجهه ترسم قصة كفاح طويلة، لأب أفنى حياته لتربية أبنائه، ليتخرجوا من إحدى كليات القمة.
بائع «بردي» على رصيف وسط البلد
يبيع الرجل الستيني المعروضات للمارة، بأسعار زهيدة، للوفاء بالتزاماته الأسرية، بعد أن كان يبيع العطور لسنوات، وفقًا لحديثه لـ«»: «اخترت الشغلانة دي عشان لقيتها بسيطة، ومكنش قدامي غيرها، كنت ببيع برفانات من سنة 1984، وربيت أولادي منها، بعد ما انفصلت عن زوجتي، عندي ولد وبنت دخلتهم مدارس خاصة، الاتنين اتخرجوا من هندسة، الولد اشتغل مهندس والبنت اتجوزت، وزوجتي التانية معاها بنت أنا اللي بربيها مع أولادي».
التكلفة العالية التي تحتاجها تجارة العطور، دفعت «على» للبحث عن وظيفة أخرى، فاختار «فرشة الرصيف»، ومنذ عام تعرض لوعكة صحية كادت أن تحرمه من العمل: «فجأة عميت، وابني برغم إنه لسه شاب مبتدئ شغال فى شركة لحد ما يجيله وظيفة مستقرة، عمل لى عملية في عيني، صرف فيها 20 ألف جنيه، وربنا كرمني وشُفت النور».
واصل الرجل الستيني العمل بعزة نفس، لكن أزماته الصحية لم تتوقف عند النظر: «من شهر جالي فتاء، والدكتور طلب إشاعة بـ650 جنيه، مش هقدر أدفع المبلغ ده، أنا واخد شقة يادوب بدفع إيجارها ومقدرش آخد رزق ولادي وأروح أعمل إشاعة، كل الناس هنا عارفة إني راجل عزيز النفس ومربي ولادي».
تعمد «على» إخفاء تعبه على ابنه، خشية أن يحزنه الأمر ويرهقه ماديًا، بحسب ما روى: «مش عايز أعرف ابني بتعبي، كفاية عليه الفلوس اللي صرفها على عيني، وإنه لما بيشوفني قاعد أبيع على الرصيف بيزعل عليا، فيه بياعين عملت من الشارع فلوس كتير، أما أنا ربيت ولادي بس، وده كل مكسبي في الحياة».