صفاء من قصار القامة وبطلة ألعاب قوى
انتابها إحساس قوي بالرغبة في العزلة، دخلت إلى غرفتها دون أن تكلم أحدًا من أفراد أسرتها وبعزم ما بها من قوة أغلقت بابها في وجه ذلك المجتمع الذي لم يرحمها، وسخر من قامتها القصيرة وجعلها تخشى حتى مجرد الظهور في الأماكن العامة.
اختلطت دموع الحزن والقهر بكلمات صفاء أحمد عزالدين، وهي تحكي المعاناة التي عاشتها بسبب قامتها القصيرة، متسائلة عن ذنبها في أن يقف طولها عند حدود الـ133 سم، فتبدو في هيئة غير مألوفة، لا هي قادرة على أن تعيش في جسد طفلة لأن ملامح الأنوثة تظهر بوضوح على جسدها، ولا تقدر أن تصل إلى قامة الكبار الذين يتسكعون يمينًا ويسارًا ويسخرون بنظراتهم من شكلها.
«صفاء» من الانعزال إلى ألعاب القوى
لم يطل غياب «صفاء»، فسرعان ما امتدت لها يد العون، أخذتها من أربعة جدران في أحد منازل مدينة بنها بمحافظة القليوبية، واصطحبتها إلى مجتمع آخر لممارسة الرياضة، وهي خير علاج لاحتواء النفس والسيطرة على مشاعر الغضب، ولم تصدق في بداية المشوار أنها ستصير واحدة من أفضل لاعبات الجُلة والرمح والقوس، في ألعاب القوى لقصار القامة.
«صفاء»: مش قادرة أنسى الإساءة
«مش عارفة ليه الناس كانوا بيعاملوني وحش كده، وإزاي أنا كنت بواجه ده بالعزلة»، مازالت «صفاء»، تتذكر الماضي وما يحمله من ذكريات سيئة، وعلى الرغم من تجاوز ذلك بالرياضة فمازالت كلمات السخرية ترن في أذنيها: «ساعات كنت بسمع الناس وهما بيقولوا بصوت منخفض هي عاملة كده ليه، كنت أزعل وأعيط وأقفل على نفسي وأقول مش هخرج تاني، وساعات كنت أمشي والعيال الصغيرة يلفوا حواليا والناس تحوشهم مني، كنت بحس بإحراج ومش عارفة أعمل ايه».
حصلت «صفاء»، ذات الـ32 عامًا، على بكالوريوس تجارة شعبة محاسبة، وبالطبع لم تخلُ سنوات الجامعة من نظرات التنمر: «كنت لما بخرج مع صحابي في أي كافيه بعد الجامعة، الناس يفضلوا يبصولي بطريقة غريبة وكأني كائن فضائي، بحس بحرج وإحباط بس مش بقدر أتكلم، كانوا صحابي بيدافعوا عني ويتخانقوا، لحد ما بطلت أحرج عشان مسببش لهم أي مشكلة».
شركة تسخر منها: مش هتطولي الرفوف العالية
قبل ممارسة الرياضة غامرت «صفاء» بالتفكير في العمل بوظيفة تنسب مؤهلها، ووقتها حدث ما لا تحمد عقباه: «رحت شركة فلاتر كانت طالبة سكرتيرة، وطبعا رفضوني بس مش بطريقة شيك، قالوا لي أنتِ هتضيعي وقت الشغل، كل عميل هيدخل يهزر ويتريق والدنيا هتبقى فوضى، إلى جانب إنك مش هتعرفي تجيبي ملفات من الرفوف العالية، قد إيه حسيت بالحرج ومن يومها مقدمتش في وظيفة تانية رغم إنى قاعدة بدون شغل».
الرياضة رسمت بُعدًا آخر لحياة «صفاء»، لم تعد تلك الفتاة الخجولة التي تسير منكسرة ووجهها في الأرض، لتجنب نظرات الآخرين، أصبحت لاعبة قوى تمسك بالجلة والرمح والقوس وتؤدي تدريبات مكثفة لخوص منافسات رياضية مهمة: «الرياضة حلوة وغيرت حياتي بس مفهاش مصدر رزق، بتدرب وبتعب وبصرف من جيبي وأشتري أدوات رياضية وفي الآخر مفيش استفادة مادية ولا حتى نادي يصرف عليا».
مدير نادي أهانها بعبارة «الصوت ده طالع منين»
تقدم «صفاء» برهانًا على أن نظرتها للحياة ولما تتعرض له من تنمر تغير بعد ممارستها للرياضة: «اتخانقت مع مدير نادي مخصص لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة، والمفروض إنه جهة ترعى أصحاب الظروف الخاصة وتقدم لهم يد الدعم، لما اختلفنا اتريق عليا وقال مين اللي بيتكلم أنا مش شايف الصوت ده طالع منين».
لم تبكِ ولم تغلق عليها باب الغرفة كما كانت تفعل من قبل، بل قدمت شكوى في النيابة الإداية ضد رئيس النادي الذي أهانها أمام الجميع: «أنا اتفصلت من النادي بس مش مهم، المهم إني سجلت موقف وكده كده رحت نادي تاني بتدرب فيه».
حالة من السلام تعيشها «صفاء» الآن وسط أخواتها ووالدها الذي ينفق عليها من معاشه، ووسط زملائها الرياضيين الذين تشاركهم في فعاليات كثيرة: «الحمدلله خدت ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية وعندي أحلام كتير نفسي أحققها، منها إني أشتغل في أي مجال عشان أقدر أصرف على طموحي الرياضي».