| مرضى الصم وضعاف السمع في ورطة مرضية: مين يفهم شكوتنا؟

أحيانا لا تسعفنا الكلمات لشرح ما يدور بعقولنا ويتملكنا، فما بالك بمرضى الصم وضعاف السمع، الذين يجدون صعوبة في توصيل رسائلهم خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن شكوى مرضية لطبيب في محاولة للوصول إلى علاج، حركات الشفاه وإشارات اليد ولغة الجسد لا يفهمها سوى قلة، ومن هنا تبدأ معاناة هذه الفئة.

ضيف ثقيل حلَّ عليه، وخزات بالبطن لا تُهدئها وصفة عُشبية أو دواء نصحه به أحد المقربين أو عرفه بالصدفة، جميع الطرق لا تؤدى للشفاء، والصمت لم يعد خياراً محتملاً، ليقرر محيى الدين موسى، 73 عامًا، من الصم وضعاف السمع، التوجه للمستشفى، ويا له من قرار صعب، فأقصى أمنياته أن يجد من يفهمه قبل أن يُداويه.

معاناة «موسى».. محدش فاهم شكوته

حال «محيى الدين» كآلاف غيره من الصم وضعاف السمع، ممن يعانون من عدم إلمام الكوادر الطبية بلغة الإشارة، ولا وجود لمترجمين فى المراكز الصحية للتواصل معهم، وفى ظل أمية الشريحة الأعظم من «الصم» يزداد المشهد قتامةً، وتبدأ معاناة أشد من المرض نفسه، معاناة الأصم فى شرح ما به من ألم، يلوح بيديه ويحدق فى عين الطبيب عله يفهمه، يثور ويهدأ، يهتز ويسكن، يستدعى مهارات «الفهلوة» والتمثيل دون جدوى، ولا يبقى أمامه سوى اصطحاب شخص متكلم معه لغرفة الكشف، ولو كان طفلاً قاصراً، فهو أجدر على شرح الألم وليس صاحبه.

73 سنة عاشها «محيى الدين» يخشى المرض وتوابعه، بسبب معاناته فى تلقى الخدمة الصحية، فهو من أسرة بسيطة، لم يستطع فك أميته، وكان يعمل «ميكانيكى» فى منطقة «كابو» فى الإسكندرية، لم يشعر يوماً أنه ينقصه شىء رغم الصمم، لكن جميع المشاعر السلبية كانت تجتمع عليه حين يمرض، فلا يفهم أحد شكواه، ويضطر إلى اصطحاب أى شخص متكلم من الأسرة معه، للتواصل مع الطبيب، ويُصدق كل ما يترجمه له ويأخذه على محمل الجد، حتى لو كان خطأ ونتج عن سوء فهم.

9 أيام قضاها «محيى الدين» فى المستشفى بسبب ألم بالمعدة، يتذكر جيداً تلك الليالى، وما حملته له من ألم، فرغم مرافقة ابنه له طوال اليوم، والتواصل مع الطاقم الطبى بشكل طبيعى، كان الهم الأكبر يبدأ مساءً، فلا مناص من مغادرة الابن، ويبقى لازماً عليه عدم الشكوى طالما أنه لا أحد سيفهم إشاراته.

لم تكن تلك المرة الوحيدة التى يُحتجز فيها الرجل السبعينى فى مستشفى، فعاد مجدداً لجدران الغرفة الطبية، وقضى 9 ليالٍ أخرى لنفس السبب.. ألم المعدة، يتذكر وقتها أن الممرضة كانت تتجنب التواصل معه، تكتفى بتعليق المحلول مساءً وتغادر، ولم يكن يبادر بسؤالها عن شىء يشعر به، فالإجابة معروفة مسبقاً، والسؤال كعدمه.

انقضى قطار العمر مسرعاً، وارتضى «محيى الدين» بحاله، لكنه يحلم بالأفضل لغيره من صغار وشباب «الصم»، مطالباً بوجود مترجمي إشارة فى المراكز الصحية، والأفضل من ذلك إجادة الأطقم الطبية للغة الإشارة، للتواصل مع الأصم بشكل مباشر دون وسيط.

مأساة «شحاتة».. من يفك شفرة لغته؟

إن كان احتمال الألم وارداً فى التغيرات الصحية العارضة، فالأمر مختلف عند الحاجة لتدخل جراحى. «فتق السرة» تسبب فى ألم بالغ لـ أحمد شحاتة، المواطن السكندرى، استدعى الخضوع لجراحة فى أسرع وقت، وكيف له إنجاز تلك المهمة سريعاً وهو لا يتكلم، ولا يجد من يفهمه فى المستشفى التى تتبع تأمينه الصحى؟ تساؤلات هاجمت رأسه، وزادت من ألم بطنه، ليتشبث بشقيقته كطوق نجاة، فهى المتكلمة من أسرته، والقادرة على التواصل مع الأطباء.

لم يكن تشخيص «الفتق» صعباً، ولا يستدعى التواصل بين المريض والطبيب، خضع «شحاتة» للجراحة، وحمد لله أن ما ألمَّ به ليس مشكلة صحية أخرى يضطر حينها إلى الإجابة عن عشرات الأسئلة، التى يوجهها له الطبيب للوصول للتشخيص الدقيق، ولا يجد منه سوى إشارات وحركات تحتاج من يفك شفرتها.