في زاوية جانبية أمام أحد مساجد مدينة السادس من أكتوبر، افترش محمد نجيب صاحب الـ 70 عامًا، الأرض، ممسكًا بيديه بلالين ملونة، وبجواره مجموعة من الألعاب كعروسة باربي والسيارات الصغيرة، التي تجذب انتباه الأطفال من حين لآخر ليهرولوا إليه، آخذين اللعبة التي يفضلونها، حتى يعود لمنزله في نهاية اليوم بحفنة من الجنيهات تكفي قوت يومه.
«طول عمري شغال مبلط بس كبرت على الشغلانة»، بتلك الكلمات بدأ «محمد» حديثه لـ«»، حيث كان يقطن في مرحلة طفولته وشبابه في حي السيدة عائشة، وترك دراسته في المرحلة الإعدادية وعمل مبلط سيراميك ورخام، ليساعد أسرته في نفقات المعيشة، ليتحمل بذلك المسؤولية منذ صغر سنه، حتى قرر أن يؤسس منزل الزوجية في أواخر العشرينات من عمره، واستقر في نفس الحي الذي يعيش فيه أهله.
بداية بيعه للعب الأطفال
تركته زوجته بعد 30 عامًا قضوها سويًا في حياة ملؤها الهدوء والإستقرار، حسب وصفه: «بعد ما مراتي ماتت حسيت بالوحدة»، حيث تزوجت ابنته وتركته هي الأخرى شهور طويلة دون السؤال عليه أو الاطمئنان على صحته، ونتيجة لوجود خلافات بينه وبين أخواته على حقه في ورث شقة أهله، قرر أن يترك لهم الحي بأكمله ويستقر وحيدًا في شقة صغيرة بمدينة السادس من أكتوبر: «اشتغلت شوية في التغليف في مصنع منتجات غذائية لحد ما استقريت في بيع لعب الأطفال».
بدأ «محمد» في بيع البلالين وألعاب الأطفال منذ حوالي 5 سنوات، كبائع متجول في أحياء القاهرة والجيزة، إلى أن استقر في أحد الزوايا الجانبية بالقرب من ميدان الحصري بأكتوبر نظرًا لكبر سنه وعدم قدرته على التجول في الشارع أكثر من ذلك: «لقيت أن ده أكتر مكان ربنا يبيرزقني فيه فقولت خلاص هقعد هنا»، حيث يؤدي صلاة العصر في المسجد ويظل جالسًا في مكانه حتى منتصف الليل.
«بستنى المواسم والأعياد علشان ببيع فيهم كتير»، إذ اعتبر الرجل السبعيني أن أيام الأعياد خاصة يوم الوقفة، هي أكثر الأيام التي يجنى فيها أموالًا طوال العام، وتترواح أسعار الألعاب التي يبيعها ما بين 15 و20 جنيهًا، ليوفر من خلال تلك الأموال نفقات طعامه وشرابه وإيجار شقته الذي يبلغ 400 جنيه في الشهر: «معنديش عفش.. فيه ناس ولاد حلال جابولي بطاطين قديمة بفرشها وأنام على الأرض».
حلمه بالحصول على كشك مرخص
رغم كبر سنه ومعاناته من ألم الغضروف إلا أنه يرى سعادته في العمل والاحتكاك بالناس في الشارع مثلما تعود طوال عمره، بما يشعره أنه ما زال على قيد الحياة، ، ولكنه تمنى في نهاية حديثه أن يحصل على كشك مرخص بالقرب من منزله، حتى يشعر بالأمان بدلًا من تجواله في الشارع: «مش طالب غير الستر وكشك أعيش منه في آخر حياتي».