مع مطلع شهر رمضان المبارك، عام 2022، حدثت تطورات وأخرى متوقعة الحدوث، رفعتا من احتمال اندلاع حرب جديدة في فلسطين إلى مستوى عالٍ جداً. التطورات الناجمة من العمليات الأربع: بئر السبع والخضيرة وبني براك وتل أبيب-شارع دوزينغوف، أدت إلى انتقال ظاهرة العمليات العسكرية الفردية إلى مستوى أعلى، أداءً وفاعليةً ونتائج، والأهم أدت إلى وضع المقاومة المسلحة، مرة أخرى، وبعد غياب، في الضفة الغربية، على أجندة العمل.
مما يشير إلى انتقال مركز الثقل في المواجهة إلى الضفة الغربية، والقدس. وذلك بعد أن رزحت الضفة الغربية منذ 2007 تحت “حراب” قوات التنسيق الأمني الفلسطينية وبطشها، لا ضدّ المقاومة المسلحة فحسب، بل ضد أيّ شكل من أشكال المقاومة الشعبية في مواجهة قوات الاحتلال والاستيطان. وقد أدت هذه التطورات، وما ولدته العمليات الأربع، إلى وقوع ثلاث، أو أربع محاولات اقتحام لمخيم جنين، باءت بالفشل.
وذلك بسبب التقاء المقاومة المسلحة من جانب المطلوبين في هذه الاقتحامات، مع التفاف شعبي شبابي حولهم، تمثل في نزول الآلاف إلى الشوارع للصدام بالحجارة والقذائف الحارقة، دفاعاً ضد أرتال الآليات، جنباً إلى جنب مع الاشتباك المسلح. الأمر الذي أدى إلى تشكل حالة مقاومة مسلحة، وجماهيرية، في مخيم جنين، مستعصية على العدو، تحت الاحتلال من جهة، وسيطرة الأجهزة الأمنية للسلطة من جهة أخرى.
وهذا تطوّر يهدّد بأن يحدث، مع الفارق، ما حدث في قطاع غزة، خصوصاً بعد فشل حرب 2008/2009. الأمر الذي يعني أن جيش العدو لا بد من أن يُعدّ لاقتحام واسع يشبه ما حدث مع المخيم نفسه عام 2002. على أن تكرار ما حدث في 2002 من ناحية الاستفراد بالمخيم، وسحقه لن يتكرر بسبب ما يعلن من تدخل للمقاومة في قطاع غزة. أي عدم السماح بإحداث مجزرة بعد معركة بطولية في المخيم، ضمن الظرف الراهن.
فمعادلة موازين القوى بعد حرب سيف القدس التي وسعت قواعد الاشتباك من قطاع غزة، لتشمل القدس والمسجد الأقصى. فكيف يمكن ألاّ توسَّع مرة أخرى لتشمل مخيم جنين، ولا سيما بعد ما تركته العمليات الأربع، وفشل اقتحام المخيم، من ردود فعل شعبية لم يسبق لها مثيل. هذا يعني أن احتمال اندلاع الحرب (سيف القدس2) أصبح عالياً جداً، ولا يمنعه إلاّ التراجع عن اقتحام مخيم جنين، وابتلاع العدو لقواعد اشتباك جديدة في الضفة الغربية.
وهذا بالنسبة إلى القيادة الصهيونية العسكرية ـ الأمنية ـ السياسية بمثابة تجرّع السم. أما التطورات المتوقعة التي تحمل بدورها إمكان ارتفاع احتمال الحرب إلى المستوى الأعلى، كما في حالة شنّ الحرب على مخيم جنين، فتتمثل باحتمال اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى لممارسة أعيادهم في باحته هذا العام. ويتوعدون بأن يمارسوا طقوس الذبح (القرابين) على أرض المسجد الأقصى، وقبة الصخرة.
هذا التطوّر يشكل خطراً لم يسبق له مثيل من حيث انتهاكات المسجد الأقصى، والعمل على تهويده، تقسيماً، أو أمراً واقعاً، وصولاً إلى إحلال “الهيكل” المزعوم مكانه أو على أرضه. لهذا فإن قرار جماهير القدس والضفة الغربية، ومناطق الـ48، هو الاعتكاف في المسجد الأقصى، منذ العاشر من رمضان، استعداداً لمواجهة الاقتحامات التي يُعَد لها من 15 نيسان/إبريل (رمضان).
الأمر الذي يعني أننا أمام احتمال مجزرة بسبب ما سيحدث من صدامات. علماً، بالمناسبة، أن جيش الاحتلال سيكون الحامي لاقتحامات المستوطنين. وسيرتكب الجرائم التي ستحدث في هذه المواجهات. صحيح أن ضغوطاً هائلة مورست لفرض التهدئة، وتمرير الاقتحامات وتقديم القرابين، تجنباً لما هو متوقع من مواجهات وتداعيات تؤدي إلى حرب سيف القدس2، كما حدث في رمضان- أيار/مايو 2021. ولكن لا بوادر لعدم اقتحام المسجد. إن ما هو متوقع من صدامات من 15 نيسان/إبريل وما بعده يتهدّد باندلاع حرب. لأن من غير الممكن السماح، بما لم يُسمح بأقل منه في العام الفائت، وأدى إلى حرب سيف القدس.
وللأسف صدر تعميم من إدارة الأوقاف الأردنية، يدعو إلى منع الاعتكاف في المسجد، قبل العشرين من رمضان. أي بعد أن تمرّر مرحلة الاقتحامات، وذبح القرابين بهدوء. وقد أيّدت سلطة رام الله هذا التعميم، مشاركةً أيضاً في هذه الجريمة التي لا تغتفر، جريمة منع التصدي لهذا التمادي الأخطر، بين ما عرفه المسجد من انتهاكات، ومحاولات اقتسام له، وسيطرة عليه، وفرض أمر واقع كما يريده الكيان الصهيوني.
من هنا قوبل تعميم مدير الأوقاف الأردنية المذكور بمعارضة شعبية شبه جماعية في القدس وفي كل فلسطين، خصوصاً في مناطق 48، والتصميم على الاعتكاف، ولو بالمواجهات مع قوات الاحتلال التي تمنع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى، معتمدة على قرار منع الاعتكاف.
وأخذت تتزايد المؤشرات لرفض تنفيذ التعميم القاضي بإغلاق أبواب المسجد الأقصى في وجه المعتكفين، أو في وجه المتصدين للانتهاكات المتوقعة. والإرادة الشعبية مصممة أشد تصميم على الدفاع عن المسجد الأقصى، وتحريم أي اقتراب يهودي صهيوني منه أو من ساحته أو من محيطه، أو أصلاً من الوجود في القدس وفلسطين كلها. ولهذا فإن ما هو متوقع من صدامات من 15 نيسان/إبريل وما بعده يتهدّد باندلاع حرب. لأن من غير الممكن السماح، بما لم يُسمح بأقل منه في العام الفائت، وأدى إلى حرب سيف القدس.
وبكلمة، الوضع في فلسطين على شفا حرب ما لم يتراجع الكيان الصهيوني، وهو في كل الأحوال أخذ يصعّد المقاومة والانتفاضات في القدس ومناطق الـ48، والضفة الغربية. أما في قطاع غزة فالأصبع على الزناد.