“الإخوان المسلمون: عقيدة إسلامية أم انتهازية سياسية”..نزار حسين راشد

يقول المثل المتداول شعبياً: التجربة أكبر برهان، كثيرون ممن زاروا مصر معقل الإخوان الأول، وتعاملوا مع المؤسسات الرسمية أو حتى التجارية أو مجال الأعمال، يروون لك أن المنتمين للإخوان، هم نموذج سلوكي مثالي، بعيداً عن الرشوة والفساد الشائعين جداً هناك.
نعم هكذا أسسهم حسن البنا،  أن العقيدة تترجم وتنعكس في السلوك اليومي المشهود من الناس،  مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم”الدين المعاملة”.
فلماذا إذن فشلوا في تثبيت الحكم حين وصلوا إليه، ولماذا سقطت رئاسة محمد مرسي، على يدي شخص مجرد من أي مؤهلات باستثناء الصفة العسكرية التي منحها إياه مرسي نفسه؟
سؤلت هذا السؤال من قبل المتعاطفين مع الإخوان فأجبت:
ضع نفسك مكان الرئيس ماذا كنت ستفعل لو وجدت نفسك على رأس دولة كمصر فجأة!
الإجابة هي أن تمسك بمعول الهدم قبل مسطرة البناء، بمعنى هدم العناوين السياسية الكبيرة لترسيخ توجه وعقيدة العهد الجديد التي يفترض أنها تمثلك وتمثلها، وعلى رأسها العلاقة مع إسرائيل وإعادة شيطنتها ونصبها كعدو، فالخطاب الأول لأي ولي أمر هو الذي يرسم الخطوط،  ويحدد التوجهات، وهو الخطوة الأولى الحاسمة على طريق النجاح أو الفشل، فلو وقف محمد مرسي ممسكاً بورقة معاهدة كامب ديفد ومزقها على مرأى الشعب المترقب أو الجيش المتربص ، وألقاها في سلة المهملات أو داسها بقدمه، لكسب الدور ولمّ الطاولة وأمسك بكرت”القص” ولعب بالجوكر، ولما جرؤ أحد أن يرفع بصره نحوه في تحدٍ، عداك عن أن ينقلب عليه!!
بمعنى ان الإخوان يظنون كل الظن أن اللعبة الديمقراطية، هو أن تلعبها بشروط الخصم أو الشروط السائدة والمعمول بها، وهذه سذاجة سياسية لا تغتفر!
وهذا ما فعلوه بالضبط في الأردن إبان التصويت البرلماني على اتفاقية وادي عربة مع”إسرائيل” فلعبوا لعبة مكشوفة بالامتناع عن التصويت فرجحت أصوات المؤيدين فخيبوا أمل الجمهور بهم، لأنه يقيسهم بمقياس العقيدة الدينبة، وفقدوا تأييد الشارع، لا بل كرّسوا لأنفسهم صورة انتهازية فاضحة.
نفس الأمر تكرر مع حكومة العدالة والتنمية في المغرب حين قبلت بالتطببع مع  إسرائيل فسقطت في شر أعمالها، ونفس المشهد تكرر في تونس، حين شرع الغنوشي في تقديم التنازلات ، لدرجة أنه وبعد رئاسته للبرلمان، لم يطرح للتصويت استبدال الأحد بالجمعة كعطلة رسمية في حين كان خصومه يصوتون لصالح إبقاء ترخيص الدعارة وإبقاء شارعها الذي شرعه بورقيبة، ففرّط حتى بأضعف الإيمان، مكرراً نفس الخطأ وهو اللعب بأوراق بورقيبة، التي أسقطتها الثورة لتلتقطها النهضة من جديد!
لم يدرك الإخوان على مدى مسيرتهم الطويلة، أن الديمقراطية ملعب واسع وفسيح يمكن أن تلعب فيه على طريقتك، وتدير رؤوس خيولك في الإتجاه المتسق والمتفق مع عقيدتك السياسية، ففي الهند وهي نظام فدرالي، حين كان ينجح الشيوعيون في ولاية، كانوا يؤممون المصانع لصالح الطبقة العاملة، ويغلقون البارات باعتبارها إفساداً وحرفاً لجماهير العمال ووعيهم، فسجلوا نجاحات وجماهيرية كبيرة.
والسؤال الكبير هو لماذا اختار الإخوان هذا الطريق، والجواب بسيط جداً، وهو انهم أسسوا على ذلك، فقد رخصت حركتهم على يدي حسن البنا في العهد الملكي وتحت الإنتداب الإنجليزي، فكانت المهادنة واللعب ضمن معطيات الواقع القائم، هي حفاظ على الذات والاستمرارية وإلا لقضوا في مهدهم!
ولكن الإخوان لم يقرأوا جيداً حجم التغير الذي طرأ على الواقع السياسي فواصلوا السير على نفس السكة التي رسمها المؤسس دون تغيير أو تبديل استجابة للظروف.
وحتى أنه فاتهم التمييز الشرعي، أن أحكام عهد الدعوة والتبيين غير أحكام عهد القوة والدولة والتمكين.
ولم يأخذوا العبرة حتى من السادات، والذي وضع كل أقطاب الناصرية في السجن وأطاح بالرؤوس الكبيرة، ليتسنى له إنفاذ سياساته وتوجهه الجديدين والمخالفين للعهد الناصري، الذي اعتقد أنه عفا عليه الزمن، وقد يقال أن السادات دفع الثمن!
والإجابة نعم لأنه ارتكب الخطيئة التي لا تغفر، ممالأة العدو، ولكن حتى هذه لم يقرأها مرسي جيداً ولم يقرأها الإخوان، فحين يصوت اليسار الأردني ضد اتفاقية الصلح ، وتمر من تحت يديك، وأنت تلعب لعبة الاستغماية، فهذا يعني أنك خلف الأحداث بمسافة واسعة وأن قراءاتك خاطئة ، وأنك لم تلحق بالركب بعد،  هذا هو بالضبط سبب فشل الإخوان.
والله الموفق.
كاتب اردني