أكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة “ستستغرق عقودا من الزمن”، مسلطا الضوء على الحاجة الملحة لكسر دائرة التدمير الاقتصادي التي جعلت 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الدولية.
جاء هذا في التقرير الذي أصدرته الوكالة الأممية المعنية بالتجارة والتنمية، اليوم الأربعاء، عن التدهور الاجتماعي والاقتصادي في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ويحدد التقرير حجم الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي والجداول الزمنية للتعافي، والآثار طويلة الأمد على الفقر وإنفاق الأسر المعيشية، ويرسم صورة قاتمة لتحديات التنمية المقبلة لسكان غزة والمجتمع الدولي.
وباستخدام صور الأقمار الصناعية والبيانات الرسمية، تشير تقديرات الأونكتاد إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في غزة انكمش بنسبة 4.5% في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023. وأدى العدوان الإسرائيلي إلى تسريع هذا الانخفاض وعجّل بانكماش الناتج المحلي الإجمالي على مدار العام بأكمله بنسبة 24% وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26.1%.
وأوضح التقرير أنه إذا انتهى العدوان الحالي وبدأت عملية إعادة الإعمار على الفور واستمر اتجاه النمو المسجل في الفترة ما بين 2007-2022 بمتوسط معدل نمو قدره 0.4%، فلن يتمكن الاقتصاد من استعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 في غزة إلا في عام 2092، مع استمرار تدهور نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والظروف الاجتماعية والاقتصادية.
وأضاف أنه في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلا في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10% سنويا، فإن نصيب الفرد منه في غزة لن يعود إلى المستوى الذي حققه في عام 2006 – قبل الحصار الإسرائيلي – إلا في عام 2035.
وشدد تقرير الأونكتاد على أن تعافي اقتصاد غزة من العدوان الإسرائيلي الحالي سيتطلب التزاما ماليا، يعادل عدة أضعاف المبلغ الذي كان مطلوبا للتعافي بعد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وهو 3.9 مليار دولار، فضلا عن الحاجة لجهد دولي متضافر لاستعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة ما قبل العدوان.
وأفاد بأنه بحلول كانون الأول/ديسمبر 2023، ارتفعت البطالة إلى 79.3%، وتضرر أو تدمر كليا 37,379 مبنى، أي ما يعادل 18% من إجمالي المباني في قطاع غزة، جراء العدوان الإسرائيلي، من الجو والبر والبحر.
ونبه إلى أن قطاع غزة، الذي يقارب الأطفال نصف عدد سكانه، أصبح الآن غير صالح للسكن تقريبا حيث يفتقر الناس إلى مصادر الدخل والوصول إلى المياه، والصرف الصحي، وخدمات الصحة، والتعليم.
وحذّر التقرير من أن العودة إلى الوضع الذي ساد قبل العدوان الإسرائيلي ليست خيارا، وأن إمكانية وسرعة التعافي في غزة ستعتمد على سرعة إنهاء العدوان، ومشاركة المانحين، وأداء النمو اللاحق.
وحذر تقييم الأونكتاد كذلك من أن المرحلة الجديدة من إعادة التأهيل الاقتصادي لا يمكن أن تتخذ ببساطة هدفا يتمثل في العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، داعيا إلى ضرورة كسر الحلقة المفرغة للتدمير وإعادة الإعمار الجزئي.
وقال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في تقريره إن القيود الاقتصادية التي تواجهها غزة، والتي تعود جذورها إلى 57 عاما من الاحتلال والحصار المستمر منذ 17 عاما، تتطلب فهما شاملا واستراتيجيات واقعية لإطلاق إمكانات النمو من خلال تدابير تشمل إعادة بناء مطار غزة الدولي، وبناء ميناء بحري، وتمكين الحكومة الفلسطينية من تطوير حقول الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في التسعينيات في البحر الأبيض المتوسط قبالة شاطئ غزة للمساعدة في تمويل إعادة إعمار البنية التحتية.
وشدد التقرير على أهمية تقديم دعم فوري وقوي لموازنة الحكومة الفلسطينية، ومن شأن هذا الدعم أن يساعد في منع توسيع الانهيار من خلال الحفاظ على الحوكمة، وتقديم الخدمات الأساسية، ودعم الطلب الكلي من خلال دفع الرواتب وتسوية المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص.
وأكد الأونكتاد أن حل أزمات غزة يتطلب إنهاء العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار، كخطوة محورية نحو تحقيق حل الدولتين على حدود عام 1967، بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. كما حث الجهات المانحة والمجتمع الدولي على الاعتراف بأن القيود المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني، وتحديدا في غزة، تمتد إلى ما هو أبعد من العدوان الأخير.