أعلن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ليلة أمس الاثنين بصورته وصورته وببثٍ حيٍّ ومُباشرٍ أنّ ما تُسّمى بصفقة تبادل الأسرى مع حركة (حماس) لن تخرج إلى النور، بإصراره على مواصلة احتلال ممّر فيلاديلفيا، ضاربًا عرض الحائط بالولايات المتحدّة الأمريكيّة و “الوسطيتيْن”، مصر وقطر، حتى أنّ مُحلِّل الشؤون السياسيّة في القناة الـ 13 بالتلفزيون العبريّ، رفيف دروكر، عقّب على المؤتمر الصحافيّ لنتنياهو بالقول إنّ الأكاذيب التي سردها والتناقضات الداخليّة التي أوردها لا تُعّد ولا تُحصى، فيما قال المُعلِّق المخضرم في القناة الـ 12 العبريّة، أمنون أبراموفيتش، إنّه على الرغم من الوضع المأساويّ الذي تعيشه إسرائيل، كانت لدى نتنياهو الوقاحة والصلف ليعرض أمامنا وأمام العالم “مواهبه” المسرحيّة، على حدّ وصفه.
في السياق، كشف المحلل الإسرائيلي رونين بيرغمان في مقال نشرته صحيفة (يديعوت أحرنوت)، النقاب عن أنّه “في شهر مايو، قدمت تل أبيب اقتراحًا لاتفاق يعيد الرهائن ويؤدي إلى وقف إطلاق النار، ولكن المفاجأة كانت أنّ حماس وافقت على معظم شروطه. وخلال أسابيع، تمّ إعداد وثيقة جديدة، والتي تحتوي رسميًا على (توضيحات) لكنّها في الواقع تتضمن تغييرات نسفت أي فرصة للاتفاق، طبقًا لأقواله.
ونقل عن مسؤولٍ إسرائيليٍّ، لم يذكر اسمه، أنّ “هذه الوثيقة مغمسة بدماء الرهائن الستة الذين قُتلوا”، موضحًا أنّه “في ساعات ما بعد الظهر من يوم السبت، 27 يوليو، تمّ في إسرائيل إعداد وثيقة من سبع صفحات باللغة الإنجليزية”.
ولفت إلى أنّ “مسؤولاً أمنيًا كبيرًا سبق أنْ تمّ اقتباسه هنا، عدة مرات وكان محقًا بشكلٍ مأساويٍّ في جميع توقعاته: سواء عن الحرب أو عن الرهائن”.
وقال المسؤول الإسرائيلي: “في أعلى الوثيقة مكتوب أنها (وثيقة توضيحات)، ولكن برأيي أنّ الاسم الأنسب لها هو (وثيقة الدماء) لأنّ صفحاتها ملطخة بدماء الرهائن الستة الذين قُتلوا في نفق برفح”، مضيفًا أنّ “أسماء أربعة منهم مذكورة في الملحق في نهاية الوثيقة. لولا العرقلة المتعمدة المدرجة في الوثيقة لمنع صفقة – هناك فرصة كبيرة أنهم كانوا قد أُطلق سراحهم منذ شهر وكانوا هنا معنا أحياء”.
ووفقًا للمسؤول الكبير، فإنّ “هذه الوثيقة وُلدت في الخطيئة، محاولة من نتنياهو لإفشال اللحظة الإيجابية التي كانت في المفاوضات، عندما بدا لنا جميعًا أنّه من الممكن التوصل إلى اتفاق، وكتابته وتنفيذه”.
وبيّن أنّ ” الوثيقة وُلدت في الخطيئة لأنها أُنشئت بعد أنْ تبين أنّ حماس تقبل معظم الشروط التي قدمتها إسرائيل في المسودة الأخيرة لاتفاق الرهائن، وقف إطلاق النار في 27 مايو”، منوها إلى أنّه “عندما وصلت إلى إسرائيل ردود فعل إيجابية أولية، ويومًا قبل أنْ تقدم حماس ردها، أوضح الوزير بتسلئيل سموتريتش أنّ يحيى السنوار قد يجيب بالإيجاب على العرض وادعى أنّ ذلك يُعد علامة على ضعفه، وبسبب ذلك الضعف، يجب على إسرائيل رفض الخطة التي قدمتها بنفسها”.
واستكمل قائلاً: “وهكذا، حتى قبل أنْ يصل الرد إلى إسرائيل، تمّ تعريفه بالفعل في مكتب رئيس الوزراء على أنّه رفض صارخ من حماس، بينما كانت المجتمعات الاستخباراتية الإسرائيلية وكبار فريق المفاوضات يعتقدون أنّ هذا تطور إيجابي جدًا، وأن الصفقة تسير في الاتجاه الصحيح”.
ونوه إلى أنّه “عندما رأى مكتب رئيس الوزراء أنّ هناك فرصة لعقد صفقة، قرروا التراجع، وأرسلوا رئيس الموساد دادي برنياع إلى الدوحة لنقل الرسالة”، مضيفًا أنّني “رأيت عليه مدى معاناته أثناء تقديم هذه الأمور”، فيما قال مسؤولٌ كبيرٌ من إحدى الدول الوسيطة عن مهمة برنياع، إنّه جاء لإبلاغ رئيس الوزراء القطريّ أنّ لدى نتنياهو توضيحات”.
وتابع المُحلِّل: “هنا بدأ السجال الذي يعيق الآن المفاوضات، مسألة ممر فيلادلفيا. في الاقتراح الإسرائيليّ الأصليّ، وعد الجيش بالانسحاب من كل القطاع. قيل لحماس شفهيًا من قبل الدول الوسيطة إنّ الانسحاب يشمل ممر فيلادلفيا، لكن في الخرائط المرفقة بـ (التوضيحات) تبيّن أنّ قوات الجيش ستبقى هناك”.
ونقل المحلل عن أحد أعضاء فريق التفاوض قوله إنّ “من بين ست نقاط مكتوبة في نصف صفحة من وثيقة التوضيحات، خمس منها تهدف إلى التخريب على المفاوضات بأشد الطرق والتأكّد من أنّها لن تنجح أبدًا.”
واختتم المُحلِّل، نقلاً عن المسؤول الإسرائيليّ الرفيع: “في الوضع الذي نشأ، لم يختبر أحد ردّ فعل حماس لأنّ وثيقة الدماء كانت قد أُعدت، وكان هناك أيضًا اجتماع لمجلس الوزراء حيث أصر نتنياهو، خلافاً لرأي وزير الأمن يوآف غالانت، والمجتمع الاستخباراتي، وقادة الجيش، على تحويل ممر فيلادلفيا إلى تحدٍّ لمصر ومكان دفن الاتفاق”، على حدّ تعبيره.
ومن المُهّم الإشارة في الختام إلى أنّه حتى اليوم تمكّنت إسرائيل من تحرير 8 رهائن أحياء فقط في عملياتٍ عسكريّةٍ، وفق ما أكّده اليوم محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، لافتًا إلى أنّ نتنياهو يُحاوِل إخماد حركة الاحتجاج لإطلاق سراح الرهائن، والتي تعكس المزاج العّام الغاضب في الشارع الإسرائيليّ، ومُطالبة الحكومة بالانتقال من الكمات للأفعال، بيد أنّ رئيس الوزراء يُدافِع فقط عن منصبه السياسيّ تحت شعارات فارغة ورنانّة للدفاع عن الأمن، طبقًا لأقواله.