يُشكّل المُجاهد يحيى السنوار “عُقدةً نفسيّةً” للمسؤولين الإسرائيليين، وحتّى بعض القادة العرب، لأنّه قادَ كتائب “القسّام” إلى نصرٍ تاريخيٍّ على دولة الاحتلال بتنفيذ عمليّة “طُوفان الأقصى” الإعجازيّة بدقّةٍ مُتناهية أظهرت العبقريّة العسكريّة، بشقّيها الدّفاعيّ والهُجوميّ، وأدار ظهره بعدم ردّه بسرعة على اتّفاق باريس لتبادُل الأسرى، وفوق هذا وذاك أنه يُذكّرهم بفشلهم وهزيمتهم.
مُنذ أربعة أشهر والمسؤولون الإسرائيليّون يعيشون “حالة هذيان” مَرَضيّة بسبب فشلهم في تحقيقِ أيٍّ من أهدافهم من وراءِ غزو قطاع غزة، وتنعكس حالة الهذيان هذه في تصريحاتِ هؤلاء التي تدّعي أنّهم يعرفون أين يكمن المُجاهد السنوار و مُساعدوه، فتارةً يقولون إنهم عثروا على فردةِ حذائه بعد اقتحام بيته “المهجور” في مخيّم خان يونس، وتارةً أُخرى يُؤكّدون أنهم عثروا على النّفق الذي كان يُقيم فيه، حيث وضع خطّة اقتِحام الحُدود، وتنفيذ عمليّة “طُوفان الأقصى”، وقتل أكثر من 1200 جُندي ومُستوطن وإصابة أكثر من 4000، وأسْر 250 آخرين بينهم مُجنّدات وجُنود وجِنرالات.
ما يدفعنا إلى كتابة هذه المُقدّمة تصريحات أدلى بها أمس يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي وخصّص مُعظمها للحديث عن المُجاهد السنوار، ومن أبرز ما قاله “إنه مُنشغلٌ ببقائه على قيد الحياة ولا يقود العمليّات العسكريّة وقوّات حركة “حماس” وينتقل من مخبأ إلى آخر، وغيرُ قادرٍ على التّواصل مع مُحيطه”.
إنّها أكاذيبٌ تعكس حالة الهذيان والكابوس الذي يُشكّله وجود السنوار للقادة الإسرائيليين، ومن خلفهم أعمامهم الأمريكان، فإذا كان غالانت، ونتنياهو، وأجهزة استِخباراتهم الفاشِلة، يعرفون كُل هذه المعلومات، فلماذا لم يأسِرُوه، أو يقتلوه؟
عندما يقول غالانت، الذي فسّر الماء بالماء، إن المُجاهد السنوار مُنشغلٌ ببقائه على قيد الحياة ولا يقود العمليّات والقوّات، وينتقل من خندقٍ إلى آخر، فمن يقود العمليّات إذًا، وهل يتوقّع وزير الحرب الإسرائيلي منه أن يخرج فوق الأرض حتّى تأتي الدبّابات الإسرائيليّة لقتله أو أسْره؟
والأكثر غباءً من الإسرائيليين أسيادهم الأمريكان، الذين فرضوا عُقوبات على المُجاهد السنوار وعددٍ من قادة “القسّام” الميدانيين أبرزها تجميد أموالهم، ومنْعهم من دُخول الولايات المتحدة.
لا يعرف هؤلاء أن المُجاهد السنوار لا يملك مالًا ولا حسابًا في أيّ مصرف، سواءً في قطاع غزة أو الخارج، ويعيش على الكفاف، ولا يملك إلّا بِنطالين، وبضعة قُمصان مثلما قال لنا أحد المُقرّبين منه، ولم يُغادر القِطاع إلّا مرّتين مُنذ الإفراج عنه في إطار تبادل صفقة شاليط (عام 2011) وكانت وجهته في المرّتين القاهرة للمُشاركة في وفدٍ للحركة، ثمّ من قال إنّ السنوار مُتَلَهّفٌ للذّهاب إلى الولايات المتحدة، أو أيّ دولة عربيّة أو أوروبيّة، حتّى يُعاقب بمنع دُخولها؟ وقد لا يُغادر القطاع إلّا إلى جنّات الخُلد، إذا كُتبت له الحياة، والأعمار بيدِ الله.
***
أُهاتِف أهلنا وأصدقاءنا في قطاع غزة، أو من تبقّى منهم على قيد الحياة، ولم يَفُز بالشّهادة، بين الحين والآخر، للاطمئنان عنهم، ومعرفة الأوضاع المعيشيّة والأجواء العامّة، بالأمس علمت من مصدرٍ موثوق أن حركة “حماس” ما زالت تُدير شُؤون القطاع، وشُرطتها استأنفت عملها في مُعظم شِماله، وتدفع مُرتّبات مُنتسبيها كُل آخِر شهر، علاوةً على معلوماتٍ أُخرى لا نُريد التطرّق لها، تُؤكّد أن ما قاله الجنرال غالانت، الذي تجاوز رئيسه نتنياهو في الكذب حول عدم سيطرة “حماس” وأجهزتها على القطاع أكثر أنواع الفبركة والتّضليل لخِداع الرّأي العام الإسرائيلي، والإيحاء بنجاحِ الحملة العسكريّة الباهظة التّكلفة، بشريًّا، وماديًّا وعسكريًّا، واقتصاديًّا.
أخيرًا نُؤكّد أنّ كُل ما قاله غالانت حول وجود خِلافات بين الجناحين العسكري والسياسي لحركة حماس، أو بين الدّاخل والخارج، مُجرّد تزوير المُفلسين، وهُناك تبادل أدوار، واتّفاق كامل على رفض اتّفاق المُخابرات في باريس، والإصرار على الانسِحاب ووقفٍ كُلّيٍّ للحرب، ومُعارضة الهُدَن المُؤقّتة، ونستند في ذلك إلى معلوماتٍ استقيناها من مصادرٍ وثيقةٍ الصّلة بالجناحين.
المُجاهد السنوار “قاعدٌ” على قلبِ نتنياهو وغالانت وسموتريتش وبن غفير، وكُل المُستوطنين الصّهاينة، ولا نستبعد أن تكون مُفاجآته القادمة التّخطيط، والتّنفيذ لـ”طُوفان الأقصى2″.. والأيّام بيننا.