07:42 م
الأحد 17 أبريل 2022
(دويتشه فيله)
مع حظر الوقود الأحفوري من روسيا، باتت الطاقة النظيفة البديل الأكثر رواجا. لكن هل سيؤدي نقص المواد الخام من روسيا وأوكرانيا إلى عرقلة طفرة استخدام الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط؟
تزايدت النقاشات في الدول الأوروبية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا حول تداعيات حظر صادرات الطاقة الروسية، لكن الأمر يدل في الوقت نفسه على أن مجال الطاقة المتجددة باتت هي طاقة المستقبل. إذ يُنظر إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية باعتبارها أدوات لتعزيز أمن الطاقة، فضلا عن استدامتها وكونها غير ضارة بالبيئة.
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فالمنطقة تزخر بإمكانيات كبيرة لاستغلال الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة خاصة في ظل مخاوف بعض بلدانها بشأن توليد الكهرباء بسبب ضعف فعالية شبكات التوليد التي تديرها الحكومات والحاجة الملحة لاستيراد الوقود. ورغم تمتع منطقة الشرق الأوسط بشمس ساطعة تشرق طوال العام، إلا أن معظم بلدان المنطقة لا تزال بعيدة عن الوصول إلى حصة الفرد الأوروبي الواحد من الطاقة الشمسية.
وربما تكون الأرقام أصدق تعبيرا عن هذا التفاوت، إذ أنه في عام 2020 تم إنتاج 810 كيلوواط/ ساعة من الطاقة الشمسية لكل فرد في الاتحاد الأوروبي، في المقابل تم إنتاج 106 و 74 كيلوواط/ ساعة في نفس العام للفرد في المغرب والسعودية على التوالي، وهما من دول منطقة الشرق الأوسط الرائدة في مجال توليد الطاقة باستخدام الطاقة الشمسية. وتعهد المغرب بزيادة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء
ما سبب التفاوت؟
قد يعود هذا التفاوت إلى أن بعض بلدان المنطقة لاسيما السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، ليست في حاجة إلى استخدام الطاقة الشمسية بفضل احتياطياتها الكبيرة من النفط فيما ساهم سوء الإدارة والفساد ونقص السيولة إلى إعاقة استخدام الطاقة الشمسية في دول أخرى في الشرق الأوسط.
فعلى سبيل المثال لا يزال العراق يعاني من الفساد المالي وتعصف به حالة من عدم الاستقرار السياسي، إذ لم تتشكل حكومة حتى الآن رغم أن الانتخابات التشريعية جرت في أكتوبر الماضي.
وحول ذلك قال مستشار شؤون الطاقة وعضو معهد الطاقة العراقي، هاري ستيبانيان، إنه منذ عام 2019، أبدت الحكومات العراقية المتعاقبة جدية في استغلال واستخدام الطاقة الشمسية. وأضاف هاري، الباحث المقيم في واشنطن، في ورقة بحثية صدرت عام 2020 أن المستثمرين المحتملين في هذا المجال أحجموا عن المضي قدما في ضخ الاستثمارات جراء حالة “عدم اليقين الاقتصادي والسياسي ونقص الشفافية والمخاوف الأمنية”.
ولا يقتصر الأمر على العراق بل يدخل لبنان في هذه الإشكالية أيضا، إذ جعلت أزمة البلاد المالية الخانقة والوضع السياسي المتأزم لعقود من شركة المرافق الرئيسية في البلاد جزءا من المشكلة، وفقا لما أشار إليه باحثون متخصصون في مجال الطاقة بالجامعة الأمريكية في بيروت في تقرير صدر في سبتمبر العام المنصرم.
وذكر التقرير أن “قطاع الكهرباء في لبنان وتحديدا مؤسسة كهرباء لبنان، المُنتج الرئيسي للكهرباء في البلاد، أصبح أحد المساهمين الرئيسيين في الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد”. ورغم وجود حكومة، فإنها تفتقر للفعالية ما يدفع سكان البلاد إلى إدارة شؤون حياتهم بأنفسهم؛ إذ أدت أزمة انقطاع الكهرباء وارتفاع تكاليف استخدام مولدات الكهرباء جراء ارتفاع سعر الوقود، إلى زيادة الطلب على أجهزة الطاقة الشمسية سواء في الشركات أو المنازل بالمناطق الراقية حيث تبلغ كلفة تركيب أنظمة الطاقة الشمسية 4000 دولار أي ما يعادل 3675 يورو.
وفي اليمن، أصبح استخدام الطاقة الشمسية بشكل خاص منتشرا للأسباب ذاتها، إذ نجم عن الحرب وحالة عدم الاستقرار السياسي انهيار في شبكة الكهرباء العامة في اليمن، ما أدى إلى استخدام أكثر من نصف سكان البلاد للطاقة الشمسية اللامركزية، وفقا لما ذكره برنامج التنمية والطاقة، وهي منظمة غير حكومية مقرها برلين.
نجاحات في استخدام الطاقة الشمسية
في المقابل، حققت بلدان أخرى في الشرق الأوسط نجاحات أكبر في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في أنحاء البلاد، إذ أنه منذ عام 2015 سارت بعض دول المنطقة نحو طفرة في استغلال الطاقة الشمسية وفي طليعتها دول الخليج والمغرب والأردن ومصر. وتتمتع الدول التي حققت هذه الطفرة في استخدام الطاقة الشمسية، في الغالب بحكومات مركزية قوية وذات فعالية على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، كانت دولة الإمارات واحدة من أكبر منتجي الطاقة الشمسية في العالم عام 2020 إذ أنتجت 1385 كيلوواط /الساعة للفرد الواحد.
يشار إلى أن حجم إنتاج ألمانيا وهي البلد الرائد على مستوى العالم في هذا المجال، من الطاقة الشمسية للفرد الواحد يبلغ 1490 كيلوواط/ الساعة في عام 2020.
كذلك فإن السعودية وعمان تمضيان قدما في استخدام الطاقة الشمسية خاصة السعودية حيث تعد الطاقة المتجددة ركيزة “رؤية 2030”.
أما المغرب، الذي يعد أحد البلدان الرائدة في المنطقة في مجال الطاقة المتجددة، فيخطط لإنتاج أكثر من نصف احتياجاته من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 في خطة تحظى بدعم من العائلة المالكة. وفي هذا السياق، قال هنري لويـس فيـدي، الباحث في “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” وهي مؤسسة فكرية مغربية، في بيان صدر عام 2020 إن “الطاقة المتجددة أصبحت بمثابة مشروع طويل الأمد”.
أما سلطنة عمان، فقد دشنت أول محطة رئيسية للطاقة الشمسية في يناير تكفي لتزويد أكثر من 50 ألف منزل بالطاقة وذلك باستثمارات سعودية وكويتية. ويأتي إنشاء هذه المحطة في إطار تنويع فرص الاستثمار في دول الخليج، بما يشمل مجال الطاقة المتجددة في منطقة كانت تعتمد حتى وقت قريب على الصادرات النفطية.
حرب أوكرانيا .. هل تكون العائق؟
وكما أثرت الحرب في أوكرانيا على ارتفاع أسعار الغذاء في منطقة الشرق الأوسط، يبدو أنها قد تلقي بظلالها على مجالات استخدام الطاقة الشمسية، بحسب مراقبين. وفي هذا السياق، تقول لي تشن سيم، الباحثة غير المقيمة بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن الحرب في أوكرانيا قد تتسبب في مشاكل لوجستية وتعطل الإمدادات الخاصة بمشاريع الطاقة المتجددة في الخليج.
وأضافت أن الشركات الروسية والأوكرانية تلعب دورا هاما في توفير الأجهزة والمكونات اللازمة لأنظمة الطاقة المتجددة لا سيما المواد الخام مثل الفولاذ والألمنيوم والكوبالت والنيكل والنيون والبلاديوم.
لكن في المقابل، قد تكون الحرب دافعا لضخ المزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة الشمسية. فعلى سبيل المثال، كان أحد الأسباب وراء قيام السعودية بالمضي قدما في تعزيز استخدام الطاقة الشمسية خلال العقد الماضي، يعود إلى زيادة استهلاك النفط داخل البلاد، لكنها أرادت في الوقت نفسه تقليل استهلاك النفط محليا لصالح زيادة صادراتها.
وتقول سيم إنه بالنظر إلى رغبة الدول الأوروبية في تقليل أو التخلص تدريجيا من الاعتماد على النفط والغاز الروسي، فقد تحمل هذه السياسية في طياتها زيادة الطلب على واردات بلدان الشرق الأوسط. وفي مقابلة مع DW، قالت إن دول الخليج سوف “ترغب في زيادة إنتاج المزيد من الهيدروكربونات بهدف التصدير، ما يعني توسيع نطاق مشاريع الطاقة المتجددة لتقليل الاستهلاك المحلي من الهيدروكربونات”.
كذلك فإن ارتفاع أسعار النفط على مستوى العالم إلى معدلات قياسية قد يدفع دول مثل السعودية إلى تقليل اعتماد سكانها على النفط لتوليد الكهرباء الذي تبيعه الحكومة في السوق المحلية بسعر مدعوم.
ويمكن أن يصب تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي في صالح المغرب، حسبما يرى بوك باومان، رئيس مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في الرباط. ويقول إن هناك رغبة كبيرة للاستفادة من قدرة المغرب على إنتاج الطاقة الشمسية حتي “في ظل عدم تطوير التكنولوجيا اللازمة لنقل الكهرباء الناتج عن الطاقة الشمسية إلى أوروبا بشكل كامل حتى الآن”. ويضيف في مقابلة مع DW، أنه “لا يوجد نقص في المشاريع وأعتقد أن الاهتمام يتزايد. لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت. قد يكون المغرب قادرا فقط على تقديم مساهمات كبيرة لتأمين إمدادات الطاقة باستخدام الطاقات المتجددة في أوروبا في غضون 10 سنوات”.