دراسة: الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في التنبؤ بنتائج بحوث علم الأعصاب 

يشهد مجال العلوم والتكنولوجيا تطورات متسارعة، إذ بات الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا محوريًا في تسريع وتيرة الاكتشافات العلمية، فقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة كوليدج لندن أن النماذج اللغوية الكبيرة، قادرة على التنبؤ بنتائج الأبحاث العلمية، خاصة في مجال علوم الأعصاب بدقة عالية تفوق الخبراء البشريين.

وأظهرت النتائج، التي نُشرت في مجلة (Nature Human Behaviour)، أن النماذج اللغوية الكبيرة المدربة على مجموعات بيانات ضخمة من النصوص يمكنها استخلاص أنماط من الأدبيات العلمية، مما يمكنها من التنبؤ بالنتائج العلمية بدقة عالية تفوق دقة البشر.

ويؤكد الباحثون أن هذه النتائج التي توصلوا إليها تسلط الضوء على إمكانيات هذه النماذج كأدوات قوية لتسريع العلمية البحثية، بما يتجاوز مجرد استرجاع المعلومات.

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالمستقبل:

يواجه الباحثون تحديًا كبيرًا في استيعاب الكم الضخم من الأبحاث العلمية المنشورة، فحتى الباحثون المتخصصون قد يجدون صعوبة في تتبع آخر التطورات في مجالهم. وفي هذا السياق، تأتي دراسة الدكتور كين لو، الباحث في قسم علم النفس واللغويات في جامعة كوليدج لندن، وفريقه لاستكشاف جانب جديد من قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

فبينما ركزت الأبحاث السابقة على قدرة هذه النماذج على استرجاع المعلومات، تساءل الدكتور (كين لو) وفريقه: هل يمكن لهذه النماذج أن تتجاوز مجرد تذكر الماضي وتتنبأ بالمستقبل؟

وقال الدكتور كين: “يُعدّ التقدم العلمي رحلة محفوفة بالمخاطر تعتمد على التجربة والخطأ، وتستنزف الكثير من الوقت والموارد، وحتى أبرز العلماء قد يفوتهم اكتشافات مهمة مدفونة في خضم البحوث العلمية الضخمة. لذلك، نسعى في بحثنا لمعرفة هل يمكن أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأنماط الخفية في هذه البيانات الضخمة، وتوقع نتائج التجارب قبل تنفيذها، مما يوفر الوقت والجهد، ويسمح للباحثين بالتركيز في جوانب أخرى من البحث”.

تفاصيل الدراسة:

لإجراء الدراسة، طور الفريق البحثي أداة تُسمى (BrainBench)، تهدف إلى تقييم مدى قدرة النماذج اللغوية الكبيرة على التنبؤ بنتائج أبحاث علوم الأعصاب، مقارنة بقدرة الخبراء البشريين.

وتستند أداة (BrainBench) في عملها إلى مبدأ المقارنة بين دراستين متشابهتين، واحدة صحيحة والأخرى معدلة، إذ يقدم الباحثون للأداة أزواج من ملخصات دراسات علوم الأعصاب، وفي كل زوج، يُعرض ملخص واحد لدراسة حقيقية يوضح خلفية البحث، والأساليب المستخدمة، والنتائج، وفي الملخص الآخر، تكون الخلفية والأساليب مماثلة ولكن بنتائج معدلة من خبراء في مجال علوم الأعصاب لتكون نتيجة محتملة، ولكن غير صحيحة.

وقد اختبر الباحثون 15 نموذجًا من النماذج اللغوية الكبيرة للأغراض العامة، بالإضافة إلى 171 خبيرًا في علم الأعصاب البشري – اجتازوا جميعًا اختبار فحص لتأكيد خبرتهم- لاختبار أي الطرفين، الذكاء الاصطناعي أم الإنسان، هو الأقدر على تحديد أي من الملخصين المقترنين هو الملخص الحقيقي مع نتائج الدراسة الفعلية.

النماذج اللغوية الكبيرة والخبراء البشريون:

أظهرت نتائج الدراسة تفوقًا ساحقًا للنماذج اللغوية الكبيرة على علماء الأعصاب، فقد بلغ متوسط دقة النماذج اللغوية الكبيرة 81%، متجاوزة بشكل كبير دقة البشر التي بلغت 63%.

وحتى عند تقييد المقارنة لتشمل فقط علماء الأعصاب ذوي الخبرة العالية، لم تتجاوز دقة العلماء 66%. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون وجود علاقة مباشرة بين ثقة النماذج في إجاباتها ودقتها. فقد كانت النماذج اللغوية أكثر دقة، كلما زادت ثقتها في إجابتها، ويفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة للتعاون بين الإنسان والآلة.

إذ قال الباحثون إن هذا الاكتشاف يمهد الطريق لإمكانيات التعاون بين الخبراء البشريين ونماذج الذكاء الاصطناعي لتسريع الاكتشافات العلمية.

ثم في خطوة لاحقة، طور فريق البحث نموذجًا لغويًا كبيرًا متخصصًا في مجال علم الأعصاب، وذلك بتدريب نسخة معدلة من النموذج المفتوح المصدر (ميسترال) Mistral، على كم ضخم من الأبحاث والدراسات في هذا المجال.

وأطلق الباحثون على هذا النموذج الجديد اسم (BrainGPT)، وقد حقق نتائج مبهرة في التنبؤ بنتائج الدراسات العلمية بدقة وصلت إلى 86%، متفوقًا بذلك على النسخة العامة من نموذج (ميسترال)، التي بلغت دقتها 83% فقط، ويمثل هذا التطور قفزة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في العلوم.

التطبيقات المستقبلية: 

قال البروفيسور برادلي لوف، الباحث في قسم علم النفس واللغويات في جامعة كوليدج لندن، والمؤلف الرئيسي للدراسة: “تشير نتائج دراستنا إلى تحول وشيك في الطريقة التي نقوم بها بالبحث العلمي، فبفضل دقة نماذج الذكاء الاصطناعي المتزايدة في التنبؤ بنتائج التجارب، من المتوقع أن يعتمد العلماء بنحو متزايد على هذه الأدوات لتصميم تجاربهم، ويعني ذلك أننا نقترب من عصر جديد يعمل فيه الإنسان والآلة معًا لتسريع وتيرة الاكتشاف العلمي”.

وقال الدكتور لو: “بناءً على نتائجنا، نقوم بتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدة الباحثين. نتخيل مستقبلًا يمكن فيه للباحثين إدخال تصاميم تجاربهم المقترحة، وتوقعاتهم للنتائج، مع توفير الذكاء الاصطناعي لتنبؤات حول احتمالات النتائج المختلفة.  ومن شأن هذا أن يتيح دورات أسرع وأكثر فاعلية في تصميم التجارب واتخاذ القرارات”.

وتفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لدفع عجلة الابتكار العلمي، مما يثير تساؤلات حول مدى حاجة العلماء إلى تبني نهج أكثر إبداعًا واستكشافًا خارج حدود الأنماط الموجودة في الأدبيات العلمية الحالية.

الخلاصة: 

تمثل النماذج اللغوية الكبيرة ثورة حقيقية في مجال الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي، وقد أثبتت هذه الدراسة أن هذه النماذج قادرة على التنبؤ بنتائج الأبحاث العلمية بدقة تفوق الخبراء البشريين. ومع ذلك، يجب التعامل مع هذه التقنية بحذر، والعمل على تطويرها بشكل مسؤول لضمان الاستفادة منها بنحو أمثل.