12:40 م
الخميس 12 أغسطس 2021
كتبت- رنا أسامة:
يُخيّم الغموض على مستقبل أفغانستان في ظل التقدم الميداني المُستمر لحركة طالبان، تزامنًا مع انسحاب القوات الأمريكية والدولية، وسط علامات استفهام حول الأوضاع الأمنية التي ستواجهها البلاد وتداعياتها على محيطها الإقليمي كله، في الوقت الذي يرفض مُقاتلو الحركة دعوات وقف إطلاق النار. وقُتِل أكثر من ألف مدني نتيجة الصراع خلال الشهر الفائت.
قال الباحث البريطاني ميخائيل أوهانلون، في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنتريست” الأمريكية، إن عشرات من مناطق أفغانستان البالغ عددها نحو 400 منطقة سقطت في أيدي طالبان منذ الربيع، كما سيطرت الحركة على 9 من عواصم الولايات الـ 34 في البلاد. ورحل شركاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الآن تقريبا من البلاد، باستثناء بضع مئات من القوات التركية والأمريكية التي تحرس المطار، فضلًا عن السفارات الرئيسية في العاصمة كابول.
هل ستسقط كابول؟
وكما سقطت روما الإيطالية وقبلها مدينة سايجون الفيتنامية، تساءل أوهانلون: “هل ستسقط كابول أيضًا قريبا؟ هل ستسيطر طالبان بشكل عام على البلاد كما فعلت تمامًا في أواخر التسعينيات باستثناء جيوب في شمال البلاد؟”.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن إن وكالة الاستخبارات المركزية تعتقد ذلك، ويزعم تقرير مُسرّب مؤخرًا من السي آي إيه يرى أن حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني قد تنهار خلال هذا العام.
ورأى أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي وصفه بـ”المؤسف”، بإخراج القوات المقاتلة الأمريكية البالغ قوامها نحو 3 آلاف جندي من أفغانستان وسحبها بسرعة هذا العام، ساهم هو الآخر في ضبابية مستقبل البلاد ووضعه على المحك.
وأضاف: “من المؤكد أن الأمور كانت سيئة من قبل، لكنها باتت أسوأ بكثير الآن. وسواء أصبحت أفغانستان التي تديرها طالبان ملاذًا آمنًا مرة أخرى لتنظيم القاعدة أو الإرهابيين المرتبطين بها أم لا، سيتعين العمل بجد لضمان ألا يكون الأمر كذلك، مما يعني أن بايدن قد ينتهي به الأمر إلى إنفاق مزيد من الموارد والوقت على أفغانستان بعد الانسحاب أكثر مما كان عليه الحال من قبل”.
ويواجه ملايين الأفغان، بمن فيهم النساء والأقليات والمثقفون والإصلاحيون وأصدقاء الولايات المتحدة، الآن خطرا أكبر من أي وقت مضى.
بيد أنه لم يتم بعد فقدان كل شيء. وعلى الأقل، قد لا تتحقق توقعات الاستخبارات الأمريكية على أرض الواقع، لا سيّما وأن القيادة المركزية الأمريكية وخبراء وكالة الاستخبارات المركزية ليسوا على دراية كاملة بحقيقة الأمور.
وفي هذا الصدد، استشهد الباحث البريطاني بإخفاق الاستخبارات المركزية في تقييمها للوضع في سوريا؛ إذ توقعت سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في غضون بضعة أشهر بمجرد أن يبادر الربيع العربي إلى الظهور. وبعد عقد من الزمان، لا يزال الأسد رئيسًا. وأكد الباحث البريطاني أنه لا ينتقد تقييم وكالة الاستخبارات المركزية ولكنه يشير فقط إلى الشكوك المتأصلة في تقييم المخاطر السياسية والعسكرية.
مُستقبل مُحتمل
وثمة مستقبل محتمل آخر لأفغانستان ليس جيدا، بحسب الباحث البريطاني، لكنه أفضل بكثير من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة: يتمثل في وجود حالة جمود عسكري، تسيطر فيها طالبان على بعض المناطق في البلاد وكذلك الحكومة في حين تسيطر الميليشيات الصديقة على جزء كبير آخر. وربما – مع قليل من الحظ- قد يقود هذا النوع من جمود الوضع مع مرور الوقت إلى إمكانية إجراء مفاوضات بشأن تقاسم السلطة.
وكحد أدنى، يمكن أن يساعد ذلك في إبقاء حلفاء الولايات المتحدة ضمن المعادلة وتوفير أجزاء آمنة نسبيا من البلاد يمكن أن يتم فيها تموضع عناصر أجهزة استخبارات صديقة، مما يسهل منع ظهور ملاذات متطرفة عنيفة في أفغانستان في المستقبل.
ولتصور كيف يمكن تحقيق هذا النوع من التقسيم الفعّال لأفغانستان، قال أوهانلون إنه من المفيد “رسم صورة تقريبية” للبلاد. إذ يعيش معظم سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة في المناطق الريفية. لكن المدن أساسية، حيث تقع كابول تقريبا في المركز الجغرافي، ثم 4 مدن إقليمية كبيرة على طول محيط البلاد، متصلة بـ “الطريق الدائري”، وهناك مدينة مزار الشريف في الشمال، وجلال أباد في الشرق، وقندهار في الجنوب، وهيرات في الغرب.
ولم تسقط بعد أي من هذه المدن الكبرى في يد طالبان، على الرغم من أن قندهار (المعقل الملهم للحركة والمعقل السابق لأسامة بن لادن) يجري التناحر عليها الآن. وتضم كابول وهذه المراكز الإقليمية الرئيسية معا نحو 10 ملايين شخص، ويعيش عدة ملايين آخرين في مدن أصغر مثل قندوز، التي سقطت في الواقع، وكذلك مساحات معينة من الأراضي التي يجتازها الطريق الدائري.
استراتيجية منطقية
وينبغي أن تركز أي استراتيجية منطقية للحكومة الأفغانية، يدعمها الشركاء الدوليون، على هذه الأولويات.
ولفت الباحث البريطاني إلى أن الرئيس أشرف غني قد لا يرغب في الإعلان علنًا عن المدن الأصغر التي سيتم التنازل عنها لطالبان في المستقبل المنظور. ومع ذلك، تحتاج الحكومة إلى تشكيل خطة حول متى وأين تحارب. ويُحتمل أن يتضمن جوهر الاستراتيجية هذه العناصر السبعة:
– حماية كابول والمراكز الإقليمية الأربعة الرئيسية، حتى لو سقطت قندهار. ولندرك أيضا أن لا يمكن تماما منع الهجمات بالسيارات المفخخة، مثل تلك التي وقعت الأسبوع الماضي في كابول بالقرب من منزل وزير الدفاع، وغيرها من الهجمات “المذهلة”.
– إعداد تفصيل واضح لقطاعات الجيش الأكثر فعالية، بدءا بالقوات الخاصة وربما التشكيلات الرئيسية للجيش مثل الفيلقين 201 و203، اللذان يركزان على شرق البلاد. ويمكن الاستعانة بهذه القوات المهمة للدفاع عن المدن الرئيسية والقيام بهجمات مضادة انتقائية.
– وضع خطة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتمويل الجيش وبعض الميليشيات المناهضة لطالبان التي يمكن أن تساعد في الاحتفاظ بالأراضي في أجزاء معينة من البلاد حيث أن الميليشيات أقوى من الجيش، شريطة أن تلتزم الميليشيات بمعايير أساسية معينة لحقوق الإنسان وضبط النفس، بحسب أوهانلون.
– البحث عن أماكن في المنطقة يمكن للأطراف الغربية المتعاقدة التعاون فيها مع الأفغان للحفاظ على السلاح الجوي الناشئء المطلوب لنقل القوات الخاصة بسرعة في ساحة المعركة ومهاجمة تجمعات طالبان.
– مطالبة الولايات المتحدة بإشراك قوات خاصة أمريكية ضمن وحدات معينة من الجيش الأفغاني، كما حدث في خريف عام 2001، عندما ساعدت في توجيه ضربات جوية ضد مواقع طالبان أثناء التعاون مع ما يسمى بـ”التحالف الشمالي”.
– مطالبة الولايات المتحدة بأن تكون مستعدة لاستخدام قوتها الجوية الهجومية المتمركزة في المنطقة الأوسع للمساعدة في الدفاع ضد هجمات طالبان ضد المدن الرئيسية.
– وضع خطة ملاذ أخير لنقل إنساني وآمن للسكان البشتون في منطقة شمال وغرب البلاد، التي توفر غطاء ومجندين ودعما لطالبان، والتي لايمكن بدون ذلك التحقق منها وضمانها.
واختتم أوهانلون تقريره بالقول إنه “من الواضح أن الوضع في أفغانستان سيئ. والواقع أن البلد في حالة حرب لا أمل واقعيًا فيها في نجاح عملية السلام في أي وقت قريب، وهي حرب ستستمر في التفاقم قبل أن تتحسن. ولكن هذه هي الأمور المطروحة وتلك هي الخيارات الواقعية”.