معاريف – بقلم: المحلل العسكري الاسرائيلي ألون بن دافيد “بينما يرتفع الرسم البياني وتكفهر وجوه وكلاء الجائحة في الاستديوهات، فإن جيراننا القريبين، تماماً هنا خلف الجدار، يتواصل عندهم روتين حياة الصيف بغير فزع. في يهودا والسامرة، حيث كل شيء يكاد يكون معوجاً، يرفض منحنى الإصابة بين الفلسطينيين الارتفاع ويبقى مستقيماً على نحو عجيب. صحيح أنهم لا يقومون بكثير من الفحوصات، ولكن لا يظهر في مستشفياتهم ارتفاع في الإصابة أو في الوفيات.
هم ليس مثلنا، لم ينقضوا على اليونان في الصيف، ولهذا فلعلهم لم يطلعوا على آخر تطورات دلتا. ولكن، مثلما في الموجات السابقة، قد تضرب بهم الإصابة بعدنا بعدة أسابيع. ولكنهم حتى الآن يبدون أكثر صحة منا بكثير.
فضلاً عن كورونا، فإن المعجزة الطبية الحقيقية في المناطق هي السلطة الفلسطينية ورئيسها. ففي عامه الـ 86 ارتكب أبو مازن كل الأخطاء الممكنة تقريباً: أعلن عن انتخابات لا يملك فيها أي احتمال للفوز، فألغاها وكاد يفقد السيطرة على الأرض لصالح حماس. وبعد أن انتعشت السلطة الفلسطينية من اللقاء المتفجر الذي بين أيام رمضان و”حارس الأسوار”، عادت إلى نفسها وسيطرتها في الميدان، باستثناء مكان واحد، هو جنين.
منذ أيار الماضي قتل 43 فلسطينياً بنار الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة. بعضهم مخربون، معظمهم مدنيون، بينهم أطفال أيضاً. هذا معطى لم يكن له مثيل منذ خمس سنوات. وإن بقاء الضفة الغربية هادئة رغم كل حالات الموت، إنما هو بفضل سيطرة السلطة الفلسطينية، وسياسة حكيمة لإسرائيل تسمح لكثير من الفلسطينيين بنيل الرزق بكرامة.
معظم حالات الموت وقعت في أيام حملة “حارس الأسوار”: التداخل بين القتال في غزة ورمضان وأحداث الحرم والشيخ جراح، رفع عنفاً لم يشهد له مثيل منذ سنوات في الضفة إلى السطح. استُدعيت قوات حرس الحدود الخبيرة، المرابطة في يهودا والسامرة، لمعالجة الأحداث داخل إسرائيل، واستبدلت بقوات من الجيش الإسرائيلي الأقل خبرة في مواجهة أعمال الإخلال بالنظام، ومن هنا كان عدد المصابين عالياً.
أضيف إلى ذلك حدث آخر، وقع في أثناء “حارس الأسوار”: الصعود إلى الأرض لبؤرة استيطانية جديدة في قلب السامرة، سرعان ما أصبحت بلدة حقيقية – تلة “أفيتار”. من اللحظة التي استقر فيها المستوطنون جنوب قرية بيتا، تحول المكان إلى بؤرة احتكاك دموية. غادر المستوطنون المكان حالياً في إطار تسوية، ولكن بقيت في المكان سرية عسكرية و الاحتكاك يواصل جباية ثمن هناك.
القتيل الأخير هو مدير قسم المياه في بيتا، ابن 41 بلا أي ماضٍ أمني، نزل ليلاً لفتح صنبور تبريد المياه الذي يغذي القرية، فوقع في كمين لجنود لواء “كفير”. يدعي الجنود بأنه اقترب منهم مع ما بدا كقضيب حديدي في يده، ولم يستجب لدعوات التوقف. أطلق قائد القوة ناراً تحذيرية، قبل قتله. في نظرة إلى الوراء، تبين أنه كان يمسك مفتاحاً سويدياً كبيراً بيده. في تحقيق الجيش الإسرائيلي، زعم أن ليس في المكان أي صنبور، ولكن الإدارة المدنية يروون بأن الرجل قتل على مسافة 20 متراً عن الصنبور الذي جاء لفتحه.
ينضم هذا الحدث لثلاثة حالات قتل أخرى لفلسطينيين في الأسابيع الأخيرة، بينهم طفل ابن 12 من قرية بيت أُمّر. فقد أطلقوا عليه النار وهو في سيارة أبيه بعد أن اشتبه جنود لواء “كفير” بأن السيارة ألقت جثة رضيع في المنطقة قبل ذلك. هذا حدث حققت فيه الشرطة العسكرية التي تحقق الآن في 21 حالة قتل في الأشهر الأخيرة داخل المناطق [الضفة الغربية].
زار رئيس الأركان في بداية الأسبوع قيادة المنطقة الوسطى، وطلب من القادة مزيداً من الحذر في استخدام القوة. وقبل وصول رئيس الأركان، سارع قائد فرقة يهودا والسامرة، العميد ينيف ألالوف، ضابط مهني ومستقيم لا مثيل له، ليحقق بنفسه وبعمق في عموم الحالات، وطالب بتفكر أكبر في استخدام النار. وجد تحقيق ألالوف أن معظم حالات إطلاق النار كانت مبررة، وبعضها كشفت مشاكل في سلوك غير مهني للقوة.
المشكلة الجذرية أكثر في يهودا والسامرة هي مجرد مرابطة جنود الجيش الإسرائيلي في مهام حفظ النظام هذه. فجنود المظليين، غولاني والمدرعات، الذين تجندوا للدفاع عن إسرائيل ضد عدو خارجي مطالبون بالقيام بمهام حفظ نظام وإنفاذ قانون على مواطني شعب آخر. والآن، بعد أحداث أيار حين تخطط الشرطة لبناء قوتها من جديد، يجدر التفكير بتجنيد أكبر لحرس الحدود، يحرر وحدات الجيش الإسرائيلي من مهام حفظ النظام ويسمح لها بالاستعداد للغاية الحقيقية، ألا وهي الحرب.
ساحة حرب
لا يوجد اليوم في يهودا والسامرة ساحة حرب إلا في جنين؛ فقد فقدت السلطة الفلسطينية هناك السيطرة، ومسلحو فتح هم الذين يسيطرون على المدينة. كل دخول لقوة إسرائيلية للاعتقال في جنين تصبح معركة تمطر فيها القوات بالنار من عشرات الأسلحة، وتلقى عليها العبوات الناسفة. قد يقترب ذلك اليوم، كما قال رئيس الأركان للقادة، الذي نكون مطالبين فيه بإجراء حملة أخرى مثل “السور الواقي” هناك.
ثمة تحالفات تحت السطح تعتمل بانتظار اليوم الذي يلي أبو مازن. والشخصية البارزة من بين مدعي التاج هو جبريل الرجوب، رئيس الأمن الوقائي الفلسطيني سابقاً، الذي راكم سمعة سيئة كإنسان متوحش وعديم الكوابح. في المقابل، هناك قدماء “فتح”، مثل محمود العالول وحسين الشيخ. ولكن ما تخشاه إسرائيل هو أن كل من ينجح في الإمساك بقيود السلطة، كائناً من كان، سيتعين عليه الاستعانة بحماس كي يثبت حكمه. وعليه، يلوح اسم آخر كمرشح متفق عليه: ناصر القدوة، ابن أخت ياسر عرفات. فهو مقبول بما يكفي، وغير مهدد بما يكفي كي يوحد رجال “فتح” من حوله. يتحدثون عن مبنى حكم جديد يشبه المبنى الإسرائيلي: رئيس رمزي ورئيس وزراء هو الزعيم الفعلي.
إلى أن يتفضل أبو مازن بالنزول عن المسرح ومع حكومة العجز في إسرائيل، واضح للفلسطينيين انه لن يكون ممكناً تحقيق أي تقدم في الموضوع السياسي. ولكن يدخل عنصر جديد للحوار، وهو إدارة بايد، التي تبدو الوحيدة في العالم التي يهمها الموضوع الفلسطيني. فالمضيفون الإسرائيليون لرئيس السي.آي.ايه، بيرنز، هذا الأسبوع، ممن أملوا بالحديث معه عن إيران أساساً، سمعوا مرات عن رغبته في التقدم في الموضوع الفلسطيني.
وصل بيرنز إلى مبنى المقاطعة في رام الله ليلتقي أبو مازن، وسمع منه عن رغبته في تجديد اتفاقات باريس – الملحق الاقتصادي لاتفاقات أوسلو – وطلباً لتنفيذ بند في أوسلو يحظر على الجيش الإسرائيلي العمل في المناطق “أ”. وحتى بيرنز اضطر لأن يوضح لمضيفه بأن لا أمل في تنفيذ أي شيء من هذه الأمور، ومن الأفضل التركيز على المواضيع الاقتصادية.
هنا بدأت إسرائيل بخطوة أولى لزيادة عدد الفلسطينيين المسموح لهم العمل في البلاد بـ 15 ألفاً، وهناك استعداد لتشجيع مشاريع اقتصادية أخرى، تعزز السلطة الفلسطينية. ستكون الإدارة الأمريكية مستعدة للتبرع بالتمويل، فيما العائق الأساس هو استمرار تحويل أموال السلطة إلى المخربين في السجون. فالولايات المتحدة مقيدة بقانون تايلر فورس (الذي يحظر مساعدة السلطة طالما تحول رواتب للمخربين)، وسيتعين على أبو مازن أن يبدي إبداعية، إذا كان يرغب في الدعم الأمريكي.
في الموضوع الإيراني، جلب بيرنز معه رسالة مخيبة للآمال، ينبغي أن تشكل إشارة تحذير قبيل لقاء رئيس الوزراء بينيت بالرئيس بايدن. تفهم الولايات المتحدة بأن احتمال العودة إلى الاتفاق النووي آخذ في التراجع، كما قال بيرنز للإسرائيليين، ولكنها تعتزم استئناف جهود المفاوضات مع الرئيس الإيراني الجديد. وقال إنها لا تعتزم الرد عسكرياً على هجمات القرصنة الإيرانية على السفن في بحر العرب.