هآرتس – بقلم: عاموس هرئيل “على الرغم من الأصوات الصاخبة المعتادة، عشية رأس السنة 5782، بقيت إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة. وكما اعتاد رئيس الحكومة السابق إيهود باراك أن يقول، ما زالت قوتها العسكرية هي الأقوى من طهران حتى طرابلس الغرب. ولم تتغير المركبات الأساسية للتفوق العسكري الإسرائيلي: تفوق استخباري وتكنولوجي وبشري للدولة وأذرع الأمن، إلى جانب دعم سياسي واقتصادي بارز من الولايات المتحدة.
تم الحفاظ على هذا التفوق بفضل استعداد إسرائيل لاتباع سياسية فعالة جداً. برزت هذه المقاربة جيداً في فترة المعركة بين حربين في العقد الأخير. ولكن المثال الأفضل لها قدم من قبل، ففي مثل هذا اليوم قبل 14 سنة عند تطبيق قرار حكومة أولمرت مهاجمة المنشأة النووية التي بنتها كوريا الشمالية لصالح نظام الأسد في شمال شرقي سوريا، بالقصف من الجو. كان يمكن أن يظهر ميزان القوة في المنطقة الآن مختلفاً كلياً لو لم يتم وقف البرنامج النووي السوري.
في هذه القوة مركب آخر حاسم، وهو كون إسرائيل -على الأقل الموجودة داخل حدود الخط الأخضر-الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. واستبدال الحكم عبر صناديق الاقتراع ثم إسقاط رئيس الحكومة بعد 12 سنة، هو مصدر مهم للدولة. في سنوات حكم نتنياهو الأخيرة كانت هذه المسألة محل شك. وقد أدت جهوده للتهرب من الملاحقة القضائية وحملته المنهجية ضد حراس العتبة إلى تآكل استقرار النظام الديمقراطي.
تنصل الجمهور منه أمر مشجع، حتى لو كانت الحكومة الجديدة عديمة التجربة وبعيدة عن أن تكون حكومة الأحلام، حتى بالنسبة لمن صوتوا لصالح الأحزاب التي شكلتها. وكل مقارنة مع الأنظمة عند الجيران الأصدقاء (مصر والأردن) والمعادية (سوريا ولبنان) تظهر تفوق إسرائيل الواضح. يبرز هذا التفوق أيضاً في مواجهة وباء كورونا رغم سلبيات سياسة الحكومات المتعاقبة.
في الجانب السلبي من الميزان بقيت الصعوبة في تطوير رد مناسب على التهديد الأساسي الذي يقوم ببنائه أعداء إسرائيل، لا سيما منذ حرب لبنان الثانية في 2006. والصواريخ والقذائف ومنظومات الاعتراض مثل “حيتس” والصولجان السحري والقبة الحديدية، توفر دفاعاً فعالاً من إطلاق كثيف من قطاع غزة، لكنها ستجد صعوبة في تحقيق نتائج مشابهة في حالة حرب في لبنان، في سيناريو يمكن أن يكون معقولاً أثناء حرب متعددة الساحات تتضمن إطلاق آلاف القذائف بصورة متوازية من لبنان وسوريا وغزة.
يعاني الجيش الإسرائيلي من مشكلات أخرى، مثل تدني مكانة وقدرة القوات البرية، فضلاً عن الخوف المتزايد من استخدامها عند الحاجة للمناورات الكثيفة في أراضي العدو، ونقص التدريب في وحدات الاحتياط، وانخفاض محفز الخدمة في الوحدات الميدانية من قبل المجندين ذوي المؤهلات العالية، وفجوة في فهم هيئة الأركان العامة لمواقف المدنيين، التي تساهم بدورها أيضاً في انخفاض ثقة الجمهور بالجيش.
هذه باختصار صورة الوضع في الساحات الأساسية التي ستشغل الحكومة وجهاز الأمن في السنة القادمة.
على وشك
خططت إدارة بايدن التوقيع على اتفاق نووي محدث مع إيران في الأشهر الأولى بعد أداء الرئيس الجديد لليمين في كانون الثاني الماضي. وفحصت الإدارة الأمريكية في البداية إلغاء أحادي الجانب للعقوبات على طهران كخطوة لبناء الثقة. ولكن رفض إيران شوش على الخطط المسبقة (شك الجيش الإسرائيلي بأن قيادة إيران أحبت اتخاذ الموقف الصارم إزاء الأمريكيين). في هذه الأثناء، بايدن مستعد لفحص خط متصلب أكثر بقليل من الخط الذي أظهرته إدارة أوباما، التي وقعت على الاتفاق الأصلي في 2015 (انسحب الرئيس دونالد ترامب منه بعد ثلاث سنوات تقريباً).
في المحادثات بين إسرائيل والولايات المتحدة كان هناك اتفاق على أن وضع النظام الإيراني فظيع، سواء في مجال الاقتصاد أو بسبب كورونا. فقدرة إيران العسكرية إزاء الغرب محدودة، وتقتصر في هذه الأثناء على عمليات انتقام صغيرة ضد أهداف ترتبط بشكل غير مباشر بإسرائيل، مثل سفن بملكية شركات إسرائيلية. ولكن واشنطن تدرك أن المراوحة الحالية في المكان، التي تواصل إيران خلالها تخصيب اليورانيوم، لا تخدم المصالح الأمريكية. ويبحث الرئيس بايدن الآن عن خطة بديلة.
أحد السيناريوهات المحتملة يقول إن الأمريكيين سيزيدون الضغط الاقتصادي على إيران، ربما إلى جانب نشاطات تخريبية سرية طوال بضعة أشهر، على أمل إقناع إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات وإظهار مزيد من المرونة. بعض كبار ضباط جهاز الأمن في إسرائيل ما زالوا يعتقدون أن هذه الاحتمالية معقولة. في مثل هذه الحالة، سيتم التوقيع فيما بعد على اتفاق سيؤخر تحقق المشروع النووي مرة أخرى مدة عقد أو أكثر. ستكون إسرائيل هذه المرة مضطرة إلى استغلال الوقت المتاح لها بصورة أفضل لوضع خيار عسكري حقيقي ضد إيران، إذا خرقت الأخيرة التزاماتها أو انهار الاتفاق.
كما نشر بالتفصيل في وسائل الإعلام الأجنبية، فقد استعدت إسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية عدة مرات بين الأعوام 2009 – 2013. وادُّعي بأن نتنياهو قد خصص لهذه الاستعدادات 11 مليار شيكل تقريباً (رغم وجود تقديرات بأن المبلغ الحقيقي كان أقل من ذلك بكثير). عملياً، هو لم يصدر أوامره للهجوم. وثمة شك بكفاية نضج القدرات العملياتية المتبلورة لتنفيذ هذه المهمة حينذاك. في السنتين الأخيرتين، وعد نتنياهو ومن بعده بينيت، هيئة الأركان بتحديد “صندوق”، أي إضافة خارجية لميزانية الدفاع تخصص للاستعداد لمهاجمة إيران. في نهاية المطاف، تمت المصادقة في الشهر الماضي على ميزانية دفاع أكبر، تشمل بند الاستعداد. ومنذ أن صعد بينيت إلى الحكم أشار عدة مرات إلى أن سلفه أهمل الاستعدادات العسكرية ولم يستعد لاحتمالية أن يقرب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق إيران من إنتاج القنبلة بشكل كبير.
في نهاية لقائه مع بينيت في البيت الأبيض، وعد بايدن بتصريح علني بأن “إيران لن تصل في أي يوم إلى السلاح النووي”. وأوضح بأنه عند الحاجة سيتم أيضاً فحص خيارات عمل أخرى غير سياسية. وعبرت الحكومة عن رضاها من هذا التصريح. الجنرال احتياط، عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسات في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، كان أقل حماسة، وقال للصحيفة إن بايدن تطرق في أقواله العلنية فقط إلى منع السلاح النووي، أي إنتاج صاروخ يحمل رأساً نووياً متفجراً. وحسب قوله: “لن يحدث هذا أصلاً في السنتين القادمتين. ولكن إيران في هذا الوقت قد تطور، وحتى تفجير، منشأة نووية من أجل التظاهر. هذا سيناريو معقول، وهو يعني أننا سنكون في ضائقة لأن إيران ستتحول بذلك إلى دولة حافة، ولن تعمل الولايات المتحدة عسكرياً ضدها”.
كان نتنياهو يأمل بتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط من خلال اتفاقات التطبيع التي وقع عليها مع الإمارات والبحرين قبل سنة. وهذه الاتفاقات تعكس اختراقاً مرغوباً فيه، وقد بدأت بإعطاء ثمارها الاقتصادية والأمنية. ولكن إسرائيل فطمت بالتدريج من وهم أن الإمارات أو السعودية (التي امتنعت عن التطبيع العلني) ستحارب إلى جانبها ضد إيران. لكن السعودية لم تتجرأ على الثأر من إيران على مهاجمة منشآت النفط لشركة “أرامكو” قبل سنتين.
تمهيد الطريق
إن السبب الرئيسي لقرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان قبل الذكرى السنوية العشرين للهجوم في 11 أيلول يكمن في توجيه أنظار أمريكا نحو الشرق، المنافسة التكنولوجية ومعارك النفوذ مع الصين. وأصبح وسط آسيا، مثل الشرق الأوسط أيضاً، أقل أهمية لواشنطن. أنهى بايدن استثماراً خاسراً جداً في أفغانستان، لكن من غير المعقول أن يخلي الجنود الأمريكيين من العراق وسوريا في القريب. تفترض إسرائيل أن يبقى هناك وجود عسكري لأمريكا لئلا تبدو وكأنها في حالة تراجع مطلق. ثمة ثمن للإصغاء الأمريكي لطلب إسرائيل، ويتمثل بالأساس فيما يتعلق بعلاقات إسرائيل مع الصين. لم تذكر بكين قط في الجزء العلني من لقاء بايدن وبينيت، أو في المقابلة التي أجراها رئيس الحكومة مع “نيويورك تايمز”. ولكن جهاز الأمن يؤكد أن الإدارة الأمريكية زادت الضغط على إسرائيل لتقليص صفقات البنى التحتية مع الصين في المستقبل، وفرض رقابة أكثر تشدداً على الاتفاقات التي تم عقدها. الأمريكيون الذين كانوا عراب الاتفاق بين إسرائيل والإمارات، يتحفظون حتى من تداعيات العلاقات الوثيقة للإمارات مع الصين على إسرائيل. وجرى تحذير شيوخ الخليج كي لا يوقعوا على صفقات لإقامة بنى تحتية تتعلق بالجيل الخامس للهواتف المحمولة، كما أشير إليهم أيضاً بأن خطراً سيهدد بيع طائرات أف35 للإمارات في هذه الحالة.
في الأول من أيلول تم تدشين رسمي لميناء الخليج في حيفا، وهو ميناء مدني أقامته شركة صينية. وحذرت مصادر أمريكية غير رسمية في السنوات الأخيرة من أن وجود الصين في الميناء سيصعب على سفن الأسطول السادس الرسو في قاعدة سلاح البحرية المجاورة. العميد احتياط، اساف اوريون، رئيس برنامج إسرائيل – الصين في معهد بحوث الأمن القومي، قدر في مقال نشر في “هآرتس” في الأسبوع الماضي بأنه من المحتمل أن تكون هناك “بوادر تغيير” في سياسة إسرائيل تجاه الصين.
حسب أقواله، بعد أكثر من عقد عمق فيه نتنياهو العلاقات مع الصين، وقلص الاستجابة للطلبات الأمريكية، ها هو بينيت يبلور سياسة جديدة تعتبر العلاقات مع الصين مسألة أمنية وطنية وستأخذ في الحسبان مخاوف الولايات المتحدة. وكتب اوريون أنه “في عهد تنافس الدول العظمى، ستكون إسرائيل بحاجة إلى شق الطريق بين تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، الحليفة الأهم، وبين تطوير علاقاتها مع الصين، شريكتها الاقتصادية الأهم”. مع ذلك، يبدو أن سلم الأولويات في عهد بينيت سيكون واضحاً أكثر من خلال التأكيد على الأولوية الأمريكية.
جبهة داخلية مكشوفة
راكمت إسرائيل نجاحات كثيرة في إطار هجمات المعركة بين حربين. فقد حدت من تحركات إيران في المنطقة وأحبطت تهريب سلاح لحزب الله في لبنان، وأعاقت في السنوات الأخيرة جزءاً من جهود التمركز للمليشيات التي يشغلها حرس الثورة الإيراني في سوريا.
لكن إسرائيل تقترب من مفترق الطرق الذي سيجبرها على إعادة تقييم سياستها. رغم جهودها، إلا أنها لم توقف جهود حزب الله وإيران كلياً في أن يقيموا خطوط إنتاج مستقلة في لبنان لتطوير قدرات إصابة الصواريخ التي لدى حزب الله. هذا هو “مشروع زيادة الدقة”، الذي يمكنه تغيير ميزان القوة بين إسرائيل وحزب الله. للبنان، كما يبدو، 100 أو أكثر من الصواريخ الدقيقة، إضافة إلى قدرة أولية على تصنيعها على أراضيه. إذا استمرت هذه الترسانة في الازدياد فهذا سيمكن حزب الله من إصابة دقيقة لأهداف مدنية وبنى تحتية وقواعد عسكرية في إسرائيل في الحرب المقبلة.
خلال سنين، لم تخاطر إسرائيل بحرب مبادر إليها لإحباط جهود التسلح وبناء القوة لدى خصومها باستثناء حالتين شاذتين، وهما: المجال النووي، مثل قصف المفاعل النووي في العراق عام 1981 وقصف المنشأة السورية في 2007. مشروع زيادة الدقة يزيد شدة المعضلة لأنه يزيد الخطر الكامن على جبهة إسرائيل الداخلية. وستقف هذه معضلة في السنوات القريبة القادمة على عتبة حكومة بينيت – لبيد أو الحكومة التي ستليها.
في الوقت الحالي، تزعم المؤسسة الأمنية بأن حزب الله منشغل بالمشكلات الداخلية في لبنان. وهو يخشى من مواجهة أخرى مع الجيش الإسرائيلي كي لا يشعل الجبهة. للوهلة الأولى، هذا تحليل منطقي، لكن فحص المعارك الأخيرة في لبنان وغزة، من العام 2006 فصاعداً، يظهر بأن الطرفين لم يقدرا الوضع بشكل صحيح ولم يخططا مسبقاً للتدهور إلى مواجهة عسكرية واسعة.
الفضاء سيتقلص
اللقاء الذي جرى بين وزير الدفاع بني غانتس، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل أسبوع في رام الله، يعكس ما هو متوقع في العلاقات مع السلطة في السنة القادمة. بينيت لا يهتم هو نفسه بالالتقاء مع عباس، لكنه سيسمح لجهاز الأمن بتنسيق وثيق وتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين. الخطر الأساسي لإشتعال آخر في قطاع غزة، ربما يكون في الأشهر القريبة القادمة. يأخذ بينيت في الحسبان احتمالية مرجحة لتصعيد جديد. وسجل الجيش الإسرائيلي عدة نجاحات عملياتية في عملية “حارس الأسوار” في أيار الماضي. ولكن التبجح بعرض إنجاز يضمن الهدوء إزاء حماس لبضع سنوات قد يتحطم على صخرة الواقع؛ فإسرائيل التي وعدت بأن “ما كان لن يكون” سبق وتنازلت عن معظم أوراق المساومة التي احتفظت بها أمام حماس (تقييد مساحة الصيد، ومنع خروج العمال)، دون أن تتعهد حماس بوقف طويل لإطلاق النار أو حل مسألة الأسرى والمفقودين.
سيكون على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان تغييراً مهماً. تعاطف إدارة بايدن مع إسرائيل واضح وغير مشكوك فيه، لكن هامش المناورة الذي ستمنحها إياه في حالة مواجهة في “المناطق” سيكون أضيق من الذي منحتها إياه إدارة ترامب. في عملية “حارس الأسوار” استخدم عليها ضغط كبير أكثر مما اعترف به الطرفان من أجل أن توافق على وقف إطلاق النار بسرعة.
في أي مواجهة مستقبلية، تدرك الإدارة بأنها ستجد صعوبة أكبر في تحويل مساعدات عسكرية سريعة لإسرائيل، خصوصاً إذا تعلق الأمر بتسليح هجومي دقيق، ويكمن السبب في صعود الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي من شأنه أن يضع عقبات على هذه الخطوة في الكونغرس. هذه ظاهرة لم تواجهها إسرائيل في حرب لبنان الثانية أو في عملية “الجرف الصامد”، ومن شأنها أن تقلص حرية عملها أثناء الحرب.