يستعد منتخب مصر، لبدأ مرحلة جديدة من المفترض أن تكون أكثر تنظيمًا وقوة، تحت قيادة المدرب البرتغالي كارلوس كيروش، الذي أعلن اتحاد كرة القدم تعيينه مديرًا فنيًا للفراعنة، خلفًا لحسام البدري.
البدري تمت إقالته من منتخب مصر، ليس بسبب سوء النتائج، ولكن لسوء الأداء، ولعدم وضوح أي هوية أو شكل للمنتخب الوطني.
الكل توقع أن يكون منتخب مصر مع حسام البدري لديه أنياب، لتعود هيبة بطل إفريقيا التاريخي من جديد، بعد الشكل الباهت تحت قيادة المكسيكي خافيير أجيري، الذي لم يُقدم شيء يُذكر مع مصر، وخاصة في بطولة كأس الأمم الإفريقية التي أقيمت في مصر قبل عامين في 2019.
منتخبنا الوطني مع البدري لم يكن له أي هوية واضحة أو شكل، بعكس ما يُعرف عن صرامته وقوته وأسلوبه، في دوري اللا هزيمة على سبيل المثال مع النادي الأهلي، صاحب الـ61 عامًا، خاض 10 مباريات، لم يواجه فيها أي منتخب من منتخبات الصف الأول في إفريقيا أو آسيا، وكان يفوز بشق الأنفس على منتخبات التصنيف الثاني.
اقرأ أيضًا.. كيروش بعد توليه تدريب منتخب مصر: سأستخدم كل خبراتي لتحقيق أحلام الجماهير
الأداء السيء للمنتخب أمام أنجولا رغم الانتصار بهدف نظيف، ثم ضد الجابون وتجنب الخسارة في الوقت القاتل، سببان رئيسيان دفعا أحمد مجاهد الرئيس المؤقت للاتحاد المصري، إلى إقالة البدري على الفور من تدريب المنتخب.
وبعد أن كانت دائرة الترشيحات مُنغلقة فقط على المدربين المصريين، حيث دخل الاتحاد في مفاوضات مع إيهاب جلال وحسن شحاتة، تفاجأ الجميع بإعلان تعيين كيروش مديرًا فنيًا للفراعنة صباح الأربعاء.
تعيين كيروش بمثابة تدارك للخطأ من قبل مجاهد، الذي ذهب لتعيين مدرب يُعرف بالقوة التكتيكية والصرامة، والمرونة أيضًا.
كيروش صاحب الـ68 عامًا درب 12 مرة بين منتخب ونادٍ خلال مسيرته التدريبية التي بدأت قبل 33 عامًا، عندما تولي تدريب منتخب البرتغال تحت 17 عامًا في 1988.
مرونة تكتيكية وشخصية قوية وعين حادة
تصريحات كيروش على مدار مسيرته ومن تدرب تحت قيادته تدل على قوة شخصيته ورؤيته الحادة، ولعبه بأكثر من أسلوب يُشير إلى أنه مدرب مرن تكتيكًا يحاول دائمًا التكيف على العناصر المتاحة أمامه وخاصًة في مشواره مع المنتخبات، وذلك كان واضحًا خلال تدريبه للبرتغال وكولومبيا وإيران.
جاري نيفيل، أسطورة مانشستر يونايتد، سبق له التدريب تحت قيادة كيروش، حيث كان المدرب البرتغالي مساعدًا للسير أليكس فيرجسون، ولكن لديه صلاحيات واسعة بعض الشيء.
نيفيل في كتابه، الذي أصدره بعد الاعتزال، تحدث عن كيروش، وأوضح من خلال كلماته، كيف ساعد المدرب البرتغالي في ضبط وتشديد أسلوب الفريق في الدفاع، وخاصة في نصف ونهائي دوري أبطال أوروبا في موسم 2007/2008.
نيفيل أوضح أن كيروش أن أعطى اللاعبين تعليمات مفصلة حول كيفية إغلاق الدفاع بإحكام ومحاولة تقليل الأخطاء والاعتماد على القدرات الفردية للاعبين الأقوياء، مثل تيفز وروني ورونالدو.
دقيق للغاية ومهووس بالتفاصيل
وكتب جاري: “في التدريبات كان كيروش دقيقًا للغاية، لدرجة أنه استخدم حصيرة التدريب، لتحديد المراكز التي يريد أن يشغلها اللاعبون، لقد كان مهووسًا حقًا، لم نر مثل هذا الاهتمام بالتفاصيل، نحن كنا نتدرب مرارًا وتكرارًا، وأحيانًا نسير ببطء والكرة في أيدينا”.
وأكمل: “لكن التعليمات كانت بسيطة، رونالدو يربطهم في خط الهجوم، وكان كارلوس تيفيز يتجه نحو يايا توري في كل مرة يحصل فيها على الكرة، في مباراتي تشيلسي وبرشلونة لم يتمكنوا من إيذائنا، كان التضييق والخنق التكتيكي أمرًا ضروريًا”.
ما قاله نيفيل يوضح، مدى اهتمام كيروش بالتفاصيل واهتمامه بكل شيء في الملعب، من أجل الحصول على نتيجة إيجابية في النهاية، وهو شيء افتقده منتخبنا الوطني مُنذ فترة المدرب الأمريكي بوب برادلي.
كيروش ليس مدربًا دفاعيًا بحت مثل الأرجنتيني هيكتور كوبر، ولا يعتمد على الهجوم فقط مثل برادلي، حيث خلال مسيرته التدريبية تنوع أسلوب لعبه بين (4-2-3-1)، (4-3-3) (4-5-1)، و(4-1-3-2)، وجزء من هذا التنوع التكتيكي جاء بسبب وجود عدد من اللاعبين أمامه ويحاول الاستفادة من قدراتهم الفنية.
كيروش أيضًا كان شجاعًا واتخذ قرارات قوية، مثل استبعاد الحارس مهدي رحمتي من منتخب إيران، ومحمد رضا خلعتبري، رغم أنهم كانوا أبرز نجوم إيران، ولكن الأول تم استبعاده بعد التشكيك في قوته، والثاني لم يظهر بشكل جيد مع المنتخب كما فعل مع ناديه.
لا يحب التدخل في عمله
الصحفية الإيرانية “نعمة الغديري”، ذكرت في مقالة له سابقة في 2017، أن كيروش كان يرفض بشكل قاطع أي محاولات للتدخل من جانب المسؤولين في اتحاد كرة القدم الإيراني في عمله، وهدد بالاستقالة في أكثر من مُناسبة، وفي النهاية كانت قراراته هي التي تسود في النهاية.
عين ثاقبة ورؤية مستقبلية
كيروش ساعد في اكتشاف رونالدو مع مانشستر يونايتد، بحسب ما ذكره السير أليكس فيرجسون في تصريحات سابقة له، حيث قال: “عندما انضم إلينا كارلوس كيروش في عام 2002، قال لي (هناك صبي صغير في سبورتينج يدعى رونالدو ونحن بحاجة إلى مراقبته، إننا سنحتاجه لأن هذا الصبي مميز)”.
كيروش بنفسه في تصريحات سابقة مع وكالة الأنباء الإسبانية “EFE” في ديسمبر 2020، كشف أنه مُنذ اليوم الأول له في ريال مدريد في يوليو 2003، حيث تولي تدريب الملكي لمدة عام حتى مايو 2004، طلب من فلورنتينو بيريز، التعاقد مع قائد الملكي السابق، سيرجيو راموس، وزميله بيبي.
وقال كيروش حينها: “سأقول لك سر صغير، وأنا متأكد من أن فلورنتينو سيتذكره، عندما وصلت إلى مدريد لأول مرة مع خورخي فالدانو، كان أول شيء فعلته هو طلب التعاقد مع سيرجيو راموس وبيبي، لو فعلوا ذلك ربما كنت سأظل مدربًا لريال مدريد حتى يومنا هذا!، كنت أرغب في التعاقد مع هذا القائد العظيم منذ أول يوم لي في مدريد”.
الفريق فوق كل شيء
“أنا لا أنسى نصيحة فيرجسون لي، وهي أحد أسباب نجاحات مانشستر يونايتد، لقد قال لي (لا أحد فوق الفريق)، إنه درس مهم للغاية، من المهم ألا يكون هناك شخص فوق الفريق”.
كلمات كيروش تعني أنه لا يُحب الاعتماد على لاعب بعينه ولن يفضل لاعب عن آخر، أو يقف بجانب لاعب ويعيده مرة أخرى إلى معسكر المنتخب إذا حدثت مشكلة ما، كما فعل خافيير أجيري مع عمرو وردة في قضية التحرش الشهيرة بكأس أمم إفريقيا 2019.
الفريق أهم من الأفراد ربما هي عقيدة كيروش بالفعل، حيث رفض من قبل الحديث عن رأيه في خاميس رودريجيز خلال فترة تدريبه كولومبيا، وقال حينها: “أنا دائمًا أحب الحديث عن الفريق بدلًا من الأفراد، كما قال صديقي أليكس فيرجسون دائمًا، الفريق فوق كل شيء آخر”.
أسلوب وتشكيل المنتخب مع كيروش
كيروش خلال فترته مع إيران كان يعتمد على خطة (4-2-3-1) دفاعية، ولكن ربما الأمر لقلة العناصر في المنتخب الإيراني، حيث كان يعتمد على الهجوم مع منتخب كولومبيا حيث لعب بخطة (4-3-3) هجومية، نظرًا لتعدد العناصر الهجومية في المنتخب الكولومبي، وهو ما ربما نراه مع منتخب مصر.
بالتأكيد لا أحد يعرف ما سيفعله كيروش تحديدًا مع منتخبنا الوطني، ولكن من السطور السابقة، وشخصية المدرب البرتغالي، وما مرّ به خلال مسيرته، يعني أننا سنجد مدربًا لديه هوية وأسلوب واضح، ليس دفاعيًا حتى الملل كما كان الحال مع كوبر، ولا بدون شكل وهوية مع أجيري والبدري.