ما إن تشرق شمس كل صباح حتى يستيقظ الرجل الستينى فى همة ونشاط، ويتوجه إلى تاجر الجملة ليشترى بضاعته من التين الشوكى، ثم يُحملها على سطح عربته المتجولة، ويمضى فى رحلته اليومية.
ودّع محمود خليل محافظته أسيوط مؤخراً، تاركاً زوجته وأبناءه، متوجهاً إلى القاهرة الكبرى وضواحيها، أملاً فى الفوز بـ«لقمة حلال»، وما إن استقر فى مكانه بجوار محطة مترو كلية الزراعة، حتى قابل «ولاد كاره» بابتسامة تملؤها الطيبة والرضا.
عشرون يوماً قضاها «عم محمود» فى القاهرة، أدرك فيها أن الحياة لم تنته، بل يأتى كل يوم بقصة جديدة مليئة بالمغامرات، فها هو يبيع التين الشوكى بعد أن كان يعمل بالجزارة، واضطر لتركها بعدما أصيب فى حادث نتج عنه كسر فى الحوض والقدم، إلا أنه لم يستسلم للقدر وتحدى الظروف الصعبة، كونه على دراية بمسئولية أبنائه الملقاة على عاتقه، ليشق حياته بحرفة جديدة أقل جهداً، وتتماشى مع حالته الصحية: «عملت عمليتين قعدت سنة ونص فى البيت بسببهم، وصرفت 40 ألف جنيه، لكن ربنا بيعوض، صحيح مقدرتش أرجع أشتغل جزار زى ما كنت، لكن الرزق يحب الخفية».
تشققت يدا «عم محمود» من الشوك الذى يملأ ثمار «التين»، رغم القفاز الأبيض، الذى يرتديه فى يده اليمنى، لكن الشوك فى رأيه لن يكون أكثر ألماً من صعوبات الحياة وتحدياتها، فلديه من الأبناء سبعة؛ أربع بنات وثلاثة أولاد، يحمل همهم جميعاً: «ربنا بيكرمنى عشان خاطر بناتى، وساعات الرزق بيكون قليل، وفى الحالتين بقول الحمد لله». ينتهى بائع التين الشوكى من عمله مع غروب الشمس، ويذهب إلى الغرفة التى يستأجرها بـ350 جنيهاً فى الشهر، يؤدى فروض الصلاة، ويطمئن على أبنائه بمكالمة هاتفية، ثم يخلد للنوم ليستيقظ مبكراً، ويبدأ يوم عمل جديداً، قاصداً باب رب كريم.