تحت أحد كبارى «شبرا الخيمة»، تجلس «طاهرة» إلى جانب طاولة رصت عليها أصنافاً من المخبوزات «قُرص»، تزاحم التجاعيد ملامح وجهها، وتحمل بين طياتها ألف معنى، ما بين صبر ومثابرة ومسئولية، بينما تنم هيئتها البسيطة عن رضا تام تنعم به، رغم الهموم الثقيلة.
طاهرة عبدالجواد، 71 عاماً، منوفية الأصل، تقطن حالياً المساكن الصناعية فى منطقة شبرا الخيمة، توفى زوجها منذ ثلاثين عاماً، تاركاً لها سبعة أبناء، عملت فى بيع الخضار، حتى زوجت أبناءها جميعاً، إلا أن أصغر بناتها انفصلت عن زوجها، وأصيبت بمرض فى القلب، لتتكفل بها السيدة السبعينية وترعى أحفادها دون كلل، إلى أن تقاعدت بالبيت إثر إصابتها بفيروس كورونا: «ماكانش فى بيتى تعريفة، بنتى بقت تستلف عشان تجيب لى العلاج».
تناول «طاهرة» قطعة من المخبوزات لزبون، وتستكمل الحكى: «لما جوزى توفى كنت ببيع خضار وزبدة، ولادى قالوا لى انتى جوزتينا كلنا ارتاحى بقى، سمعت كلامهم وقُلت معاش جوزى هيكفينى، بس لما بنتى انفصلت كان لازم أشتغل لأن مينفعش تكون عندها القلب وأسيبها، وعندها ولد وبنت عايزين مصاريف، وقالت لى أم محمود جارتى انزلى معايا نبيع شوية القرص دول وهراضيكى، فنزلت معاها وبقيت أصحى كل يوم الفجر آخد منها شوية قرص، وأبيعها، وفى آخر اليوم تدينى 20 جنيه، ولو اتبقى قرصتين باخدهم للعيال يتعشوا بيهم».