عقدت الولايات المتحدة وإسرائيل مباحثات سرية شارك فيها مسؤولين أمنيين، لمناقشة “خطة ب” للتعامل مع المشروع النووي الإيراني، في حال فشل المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والمهدد بالانهيار منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، بحسب ما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤوليْن إسرائيلييْن رفيعَي المستوى، اليوم، الأربعاء.
ولفت التقرير الذي أورده الصحافي الإسرائيلي المختص بالشؤون السياسية، باراك رافيد، إلى أهمية الاجتماع الذي يمثّل المرة الأولى التي تجتمع فيها مجموعة عمل إستراتيجية أميركية – إسرائيلية مشتركة وسرية للغاية بشأن إيران، منذ تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة السلطة في حزيران/ يونيو الماضي.
وذكر التقرير أن الاجتماع عقد الأسبوع الماضي، عبر دائرة فيديو مغلفة وآمنة بمشاركة كل من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ورئيس مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيال حولتا.
وخلال المباحثات الثنائية، شدد الجانب الإسرائيلية على ضرورة المضي قدما في تنسيق “خطة ب” بشأن إيران بسبب الجمود في المحادثات الدبلوماسية حول النووي الإيراني، وتسريع إيران لإجراءاتها النووية.
ولفت التقرير إلى “قلق أميركي” من جمود الجهود الدبلوماسية وتوقف المباحثات غير المباشرة التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي في فيينا، في محاولة لإعادة تفعيل الاتفاق النووي عبر عودة أميركية إلى الاتفاق والتزام طهران ببنوده.
وكشف مصدر إسرائيلي أن واشنطن تعتزم فرض عقوبات إضافية على إيران إذا لم تُستأنف المحادثات حول النووي الإيراني خلال الفترة القريبة المقبلة.
ونقل الموقع الأميركي عن البيت الأبيض قوله إن الولايات المتحدة “لا تزال منخرطة في المشاورات الجارية مع الحكومة الإسرائيلية حول مجموعة من القضايا المتعلقة بالتحدي الذي تمثله إيران”.
وكانت مجموعات التنسيق الإستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية كانت قد تأسست في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وترأسها مستشارو الأمن القومي من الجانبين، لوضع إستراتيجيات مشتركة حول كيفية ممارسة الضغط على إيران خلال فترة ولاية أوباما الأولى، وتحولت لمنتدى لإثارة الخلافات حول الاتفاق النووي خلال فترة ولاية أوباما الثانية.
وخلال ولاية إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، انعقد المنتدى الإستراتيجي لمناقشة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتنسيق حملة “الضغط الأقصى” التي مارستها إدارة ترامب على طهران بعيد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
ورغم المواقف المتشددة المعلنة، الثلاثاء، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يرى خبراء أنه يجب على الولايات المتحدة وإيران التوصل إلى تسوية لإحياء الاتفاق النووي وسط مؤشرات على أن المباحثات في فيينا ستستأنف “خلال الفترة القريبة المقبلة”.
وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير صحيفة “شرق” الإصلاحية في إيران، مهدي رحمانيان، إن “المحادثات في فيينا ستبدأ بالتأكيد وتتبلور لأن الطرفين استخلصا أن النهج الحالي لا يمكن أن يستمر”.
واستشهد الصحافي على ذلك بعدم انتقاد المحافظين المتشددين للاتفاق المبرم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 12 أيلول/ سبتمبر الجاري بشأن مراقبة البرنامج النووي الإيراني، في حين سارعوا إلى توجيه سهامهم ضد أي تسوية مع الغرب في زمن حكم الرئيس السابق، المعتدل حسن روحاني.
ورغم مطالبة الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، الثلاثاء، برفع “جميع العقوبات” كشرط مسبق، وتأكيد الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنه سيفعل كل شيء لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لم يعلن أي منهما القطيعة مع الطرف الآخر.
“استئناف وشيك للمفاوضات”
وقبل ساعات قليلة من خطاب رئيسي، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية من نيويورك أنه من المنتظر أن يتم استئناف المحادثات النووية “في الأسابيع المقبلة”، بدون تحديد موعد.
وأكد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من نيويورك، اليوم الأربعاء أن استئناف المفاوضات سيتم “في موعد وشيك”.
وبدأت المفاوضات بين إيران والدول الخمس الأخرى الموقعة على اتفاق العام 2015 (ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) في نيسان/ أبريل في فيينا، بهدف إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق. وقد تعثرت تلك المحادثات منذ حزيران/ يونيو بالتزامن مع فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية في إيران.
“حاجة أميركية إيرانية إلى التسوية”
من جانبه، قال المحلل، سعيد ليلاز، إن “التطورات الإقليمية بما فيها الانسحاب الأميركي من أفغانستان يجب أن تؤخذ في الاعتبار”، مضيفا أنه “من زاوية جيوسياسية، تحتاج إيران والولايات المتحدة الآن إلى تسوية”.
لكن الجميع يريد دفع خصمه لاتخاذ الخطوة الأولى. وأوضحت صحيفة “شرق” الإصلاحية على صفحتها الأولى هذه الفكرة بصورتين من نيويورك: صورة جو بايدن وهو يصرح “نحن مستعدون للعودة إلى الاتفاق إذا فعلت طهران الشيء نفسه”، بجانبها صورة للرئيس الإيراني وهو يرد عليه بشكل غير مباشر قائلا “ليس لدينا ثقة بالوعود الأميركية”.
وكمفاوض جيد، تريد إيران أن تظهر أنها ليست في عجلة من أمرها للتفاوض وتطرح شروطا لذلك.
وقال رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المحافظة المتشددة، حسين شريعتمداري، “في الأشهر الأخيرة، وبعد تقليص التزاماتنا ردا على الانسحاب الأميركي، أصر الغربيون على عودتنا إلى محادثات فيينا حتى يعودوا بعد ذلك إلى الاتفاق. وقد رفضنا اقتراحهم”.
وبحسب شريعتمداري، ذكّر الرئيس الإيراني بأن “أولويتنا ليست الاتفاق، خلافا لرغبات الأميركيين والغربيين”، معتبرا أن الوضع تحول لصالح إيران وأن سياسة “الضغوط القصوى” الأميركية فشلت.
من جهته ذكّر سعيد ليلاز بأن الكلمة الفصل في الملف تعود إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مشيرا إلى أن “الأخير لم يعارض المفاوضات قط”.