| «صالح» أصم تطوع لمحو أمية أهل قريته بلغة الإشارة.. «مش عايز حد يعاني»

عالمه صامت هادئ لا يتأثر بالصخب من حوله، يلتقط أنفاسه قبل الدخول لمقر تدريب ليباشر مُهمة رغم صعوبتها على الكثير، احترفها وباتت الأقرب لقلبه، ينصب تركيزه على الشرح، لا يقطع خلوته إلا إشارات بعض الحضور للفت انتباهه، يتحدثون إليه بإشارات أصبح يجيد ترجمتها بسهولة متمكنًا من متابعة حركة الشفاة للناطقين، عُرف بين أهالي قريته بـ«الشاب النشيط» متسلحا بإرادته، ولم تمنعه لغة الإشارة التي يتعامل بها، من اندماجه مع من حوله.

فقد سمعه في عمر الثانية

سلسلة متشابكة من الصدف الصغيرة، التي غيّرت مجرى حياة «صالح محمد الزفزافي»، حين كان في الثانية من عمره، فقد سمعه بعد إصابته بارتفاع شديد في الحرارة أثر على عصب السمع، حينها بات لزاما على والدته أن تجيب على سؤال حائر في عينيه: «ليه أنا مش زي إخواتي يا ماما؟»، إجابتها دوما لم تعطه سوى رد مجتزئ، إذ ترتعش الأم لعينه الحائرة وكأنها أودت بالولد إلى مصير مجهول دون قصد.

«أمي اشترت لوحة الحروف الأبجدية وحفظتهالي وعلموني في البيت أسامي الحاجات والكلمات.. وعدت مرحلة الحضانة.. كانوا أصعب 3 سنين في عمري»، يروي الشاب العشريني الأصم في بداية حديثه لـ«»، كتابةً عبر تطبيق واتس آب، رحلة كفاحه مع فقدان السمع في اليوم العالمي للغة الإشارة.

الانتقال لمحافظه أخرى للتعليم في مدرسة تناسب ظروفه

لظروف احتياجه لمدرسة تتناسب مع ظروفه الصحية، إذ تخلو قريته من تلك المدارس، انتقل الصغير من محل إقامته بمركز وادي النطرون التابع لمحافظة البحيرة إلى محافظة المنوفية والعيش مسقط رأس والده للدراسة هناك، «اتنقلت للعيشة هناك مع جدتي عشان في مدارس تناسب ظروفي هناك ومكنتش بشوف حد من أسرتي غير في أجازة نص السنة وأخر السنة» وتغلبت على الحرمان بالتفوق الدراسي وكأنه يتحدى صعاب تفوق عمره «كل سنة كنت بطلع الأول في المدرسة».

تفوق دراسي رغم فقدان السمع

الصغار يتكيفون مع عالمهم سريعا، تعايش «صالح» مع إصابته واجتاز سنوات دراسته بنجاح تام، لم يلق بالا إلى تفاصيل صعوبتها شيء، وربما كانت سخرية من بعض المشاغبين بالمدرسة، كان عليه أن يتجاهلها دوما، حتى التحق بكلية التربية النوعية جامعة الإسكندرية مع السامعين وكان أول الدفعة من الصم وضعاف السمع بتقدير جيد جدا، «كنت بحلم أتعين معيد بعد التخرج، قدمت واترفضت عشان أنا أصم لحد ما قررت أعلم الناس اللي من نفس ظروفي»، رافضا قبول مهن لا ترتقي بمستوى طموحه وشغفه بالعلم،«أغلب الشغل اللي كان بيتعرض عليا عامل نظافة وشغل في كافيهات وأنا طموحي أكبر من كده».

تعليم الأطفال والكبار بلغة الإشارة

سنوات مرت بما فيها من صعاب، أجاد خلالها الشاب الأصم لغة الإشارة والتعامل بها، حتى أجاد قراءة لغة الشفايف وتعامل بها مع أفراد أسرته، وأخذ يطوف بلده ينثر علمه التام بلغة الإشارة بين الأطفال والمراهقين الصم عسى أن ينفعهم، «اتطوعت في دار لتحفيظ القرآن الكريم بوادي النطرون، وبعلم أطفال الصم القراءة والكتابة، وبعلم أي شباب من محافظات مختلفة لغة الإشارة علشان أساعدهم يتكيفوا مع حياتهم»، حتى أنه قرر تعليم الأطفال المتكلمين لغة الإشارة كي يستطيعوا التعامل مع الصم.

تدريبات لمحو الأمية أقبل عليها العشرات من أهالي وادي النطرون مسقط رأسه، أشرف عليها «صالح» بنفسه، «أنا ومجموعة من مترجمين لغة الإشارة بدأنا تدريبات أونلاين محو الأمية عشان نساعد الصم من أهل بلدنا، في انتظار قرار تعيينه وقبوله  بشركة كيماويات للبناء الحديث بعد أن اجتاز المقابلة الشخصية بنجاح قبل أسبوع من الآن»، بحسب قوله.