يعتبر قطاع غزة “العدو المركزي والأضعف” بالنسبة للجيش الإسرائيلي قياسا “بأعداء” آخرين لإسرائيل مثل إيران وحزب الله. ورغم ذلك، فإن القطاع بفصائله المسلحة “يجبي من إسرائيل أثمانا إستراتيجية وأمنية باهظة”، وفق ما ذكر المحلل العسكري في صحيفة “معاريف، طال ليف رام، اليوم الجمعة.
وأضاف ليف رام أن “غزة تستدرج إسرائيل كل مرة مجددا إلى جولات تصعيد تصرف الأنظار إليها وجلّ موارد الجيش: قوى بشرية، عمل مركّز، جمع معلومات استخباراتية متواصلة لعملية عسكرية مستقبلية، وبالطبع ذخيرة وتكلفة مرتفعة في الميزانية تكون دائما على حساب شيء آخر. والملح يتغلب على المهم، وفي الفترة التي فيها المواجهة المباشرة مقابل إيران قد ترتقي درجة، تركز غزة حولها معظم انتباه جهاز الأمن”.
ورأى ليف رام أنه “يربط بين قطاع غزة وواشنطن خط واحد ينبغي أن يقلق إسرائيل جدا”. وأشار في هذا السياق إلى عدم مصادقة الكونغرس في تصويت أولي على قانون الميزانية بسبب بند الطوارئ، بمبلغ مليار دولار من أجل تمويل شراء الجيش الإسرائيلي صواريخ اعتراضية لـ”القبة الحديدية” في الولايات المتحدة. ورغم المصادقة، أمس، على هذه الميزانية وبضمنها تمويل شراء الصواريخ الاعتراضية، إلا أن ليف رام لفت إلى أنه “تم حل الأزمة حول ذلك موضعيا فقط، ولكن ليس جوهريا”.
وأضاف ليف رام أن المؤشرات للمستقبل واضحة ومقلقة. “وهذه ليست فقط قضية النظام (الحزب) الديمقراطي ومشكلة سياسية داخلية للرئيس جو بايدن مقابل مجموعة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين وتأثيرها آخذ بالاتساع، ويعارضون السياسة الأميركية التقليدية المؤيدة لإسرائيل”.
وتابع أن “النقاش الحزبي في إسرائيل أيضا حول مدى مسؤولية رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، عن الأزمة في العلاقات بين إسرائيل وبين التيارات والقوى المختلفة في الحزب الديمقراطي الأميركي، بعيد عن نقل الصورة الكاملة”.
ووفقا لليف رام، فإن “الحقيقة هي أنه على مدار سنين طويلة تجري في الولايات المتحدة تحولات من ’أميركا أولا’… وحتى معارضة داخلية غير مسبوقة في الحزب الديمقراطي، التي منعت هذا الأسبوع الرئيس الأميركي من تنفيذ قرار تعهد به بشكل علني. ويتزايد عدد المواطنين والمنتخبين الأميركيين الذين يطرحون تساؤلات حول التمويل والمساعدات الأمنية التي تمنحها الولايات المتحدة إلى دول مختلفة في العالم، وبضمنها إسرائيل”.
ويأتي ذلك في وقت تتقلص فيه المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. كما أن “التهديد الإيراني” بنظر الإدارة الأميركية يحتل مرتبة مختلفة في سلم أولوياتها عن تلك الإسرائيلية، “ويحظر التعامل مع محفظة العم سام التي تبدو كأنها مفتوحة على أنه أمر مفروغ منه. وإذا تطورت قضية سلاح دفاعي مثل صواريخ اعتراضية للقبة الحديدية إلى أزمة سياسية في الولايات المتحدة، فإن الأمر صحيح بأضعاف بالنسبة للصعوبات التي قد تنشأ بكل ما يتعلق بمساعدات طوارئ بذخيرة هجومية”.
ويوجد في اتفاق المساعدات الأمنية الذي جرى توقيعه في العام 2016 للسنوات 2019 – 2028، بمبلغ 38 مليار دولار، قيود تقضي بأن تشتري إسرائيل أسلحة من صنع أميركي فقط، “الأمر الذي يزيد من تعلق إسرائيل بالولايات المتحدة” وفقا لليف رام.
وتابع أن “تدفيع الثمن الذي جُبي من إسرائيل لصالح جولات التصعيد في قطاع غزة، تدفعه إسرائيل أضعافا في جهوزيتها واستعدادها في الجبهات الأخرى، وبينها الجبهة الأكثر خطورة مقابل حزب الله في الشمال”.
وأشار إلى أن حركة حماس طورت بشكل كبير قذائفها الصاروخية. فخلال العدوان على غزة في العام 2014، الذي استمر 51 يوما، تم إطلاق 4600 قذيفة صاروخية من القطاع واعترضت “القبة الحديدية” قرابة 750 منها، وسقطت أكثر من 60 قذيفة صاروخية في مناطق مأهولة.
وفي المقابل، فإنه خلال العدوان الأخير على غزة، الذي استمر 12 يوما في أيار/مايو الماضي، تم إطلاق 4400 قذيفة صاروخية وقذيفة هاون من القطاع، واعترضت “القبة الحديدية” 1700 منها، فيما سقطت وانفجرت 180 قذيفة صاروخية في مناطق مأهولة، أي ثلاثة أضعاف تلك التي سقطت في العام 2014 في مناطق مأهولة في إسرائيل.
وشدد ليف رام على أن “مخازن الذخيرة لدولة إسرائيل، الدفاعية والهجومية، بعيدة عن كونها بئر من دون قاع. وبالإمكان التقدير بحذر بحسب الوضع اليوم، أنه من أجل تجديد احتياطي الصواريخ الاعتراضية للقبة الحديدية بعد عملية عسكرية مثل حارس الأسوار (أي العدوان الأخير على غزة)، بالاستناد إلى خط الإنتاج في إسرائيل فقط، يحتاج إلى نصف سنة تقريبا. ومن هنا، فإن التعلق الإسرائيلي بمساعدات الطوارئ الأميركية أثناء القتال وبعده كبير جدا”.
وأشار ليف رام إلى أنه “في جميع جولات التصعيد في قطاع غزة التي تنتهي من دون حسم، وترحيله إلى المواجهة القادمة، تدفع إسرائيل أثمانا طويلة المدى، لا يتم التعبير عنها فقط بثمن القتلى، الحياة الاعتيادية والأضرار الاقتصادية المباشرة، وإنما بثمن باهظ أيضا يصعب أكثر قياسه. وهو الكفاءة والجهوزية لمواجهات أخطر بكثير على أمن إسرائيل مقابل حزب الله وإيران، التي ليس صدفة أنها تعمل على تعزيز قدرات المنظمات في القطاع”.