لم تكمل تعليمها، فكان كل ما يشغل بالها هو أن يعيش أسرتها في هناء وسعادة، سيدة لا تمل ولا تكل، تخطت حاجز الثمانين عامًا، إلا أنها لا زالت تشعر وكأنها في مقتبل العمر، سنوات طويلة عاشتها، كرست فيها حياتها لخدمة أبنائها الأربعة، من بينهم فتاة واحدة، لا تفكر في نفسها ولو للحظة واحدة، إلا أنها بعدما أدت رسالتها تجاه فلذة أكبادها قررت استكمال مشوارها التعليمي مرة ثانية.
جهاد محمد باطو، فلسطينية تقطن في مدينة الناصرة، تبلغ من العمر 85 عامًا، تلقت تعليمها حتى الصف الخامس الابتدائي نتيجة مرض عانت منه والدتها فبقيت بجانبها، ثم تزوجت وبدأت رحلة حياتها مع أبنائها، تُربي وتُعلم لتخريج جيل قادر على مواجهة الصعوبات، وبعد أن أكملت مهمتها بنجاح، استكملت تعليمها بعد أن أصبح عمرها 85 عامًا، وحصلت على درجة البكالوريوس تخصص الشريعة الإسلامية من كلية الشرعية للعلوم والأحكام في الإسلام، لتضرب مثالًا يحتذى في الأمل والاجتهاد، الذي لا يعترف بالسن عائقًا.
تحكي «جهاد» لـ«»، أنها شعرت بالفرحة الكبيرة بعد حصولها على الشهادة الجامعية: «بوجه رسالة لكل المحبوطين، لازم تتشجعوا وتتعلموا، التعليم شيء رائع، وهذا هدفي من الشهادة، إني أساعد غيري وأكون سبب إن غيري يتعلم».
آخر مرة درست بها.. كانت قبل نكبة 1948
آخر مرة كانت بها «أم سهيل» في المدرسة تدرس وتتعلم، قبل نكبة 1948 والاحتلال الصهيوني للدولة الفلسطينية، وبعد سنوات استكملت تعليمها، تحكي جهودها الكبيرة ومحاولة التوفيق بين أولادها ودراستها وعملها كـ«ترزي»: «الجهود كانت صعبة جدًا وكتير متعبة، لأني بدرس وعندي شغل خياطة ومجبورة أسهر طول الليل عشان أذاكر، والحمدلله كل درجاتي كانت عالية».
ساعدها أولادها كثيرًا في حياتها الدراسية، فكانوا أول الداعمين لها، وخلال المرحلة الجامعية كانت الدروس تتم عبر تطبيق «زوم» الإلكتروني، ولم تكن الأم تمتلك جهازا لمشاركة زملائها: «ولادي ساعدوني واشتروا لي جهاز كي أُتابع عبر الزوم، وكمان كانوا يطبعون لي الورق، وداعميني معنويًا ولا واحد عارضني».
أمنية «أم سهيل» تحققت بعد سنوات طويلة
تمنت «أم سهيل» أن تكمل دراستها الجامعية، وكان لها ما أرادت: «بشكر ربنا أول شيء لأني اتمنيت إني أتخرج من الجامعة، والحمدلله اتخرجت من الجامعة».
المعلمون في الجامعة كانوا يخصصون وقتًا طويلًا لها لتعليمها، وليس هذا فحسب، بل «أم سهيل» لم تحصل على شهادة واحدة بل ثلاث شهادات، الأولى أحكام التجويد من معهد التجويد والثانية حفظ القرآن عن غيب، والثالثة شهادة البكالوريوس.
أبناؤها يحتفلون بها بعد حصولها على البكالوريوس
احتفى بها أولادها بعد نجاحها وحصولها على درجة البكالوريوس، ولم يصدقوا ما فعلته الأم وحققت هدفها ومهمتها الصعبة، فكانت تعمل لتساعد في مصروف البيت بعد وفاة الوالد منذ 25 عامًا، وفقًا لحديث الابن، يوسف باطو، لـ«»: «أمي لها فضل كبير علينا وعملت لنا شيء كبير، وسبب تأخيرها لإنهاء دراستها أنها كانت مشغولة بأمور أخرى».