لماذا أصبحت موانئ السودان محور تنافس إقليمي ودولي؟


11:10 ص


الثلاثاء 19 أكتوبر 2021

الخرطوم- (بي بي سي):

خلال تغطيتي لأحداث إغلاق الموانئ على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، لفت انتباهي تبرير أحد المحتجين الذين كانوا يطالبون بإلغاء مسار الشرق في اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والجبهة الثورية.

قال لي الرجل بنبرة غاضبة إنهم يرفضون مسار الشرق لأنه يمنح إدارة الميناء لإحدى الدول الخليجية. وأضاف بحزم شديد “نحن لن نرضى بذلك حتى لو استمر الإغلاق للأبد”.

وفي سوق مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر التي توجد بها الموانئ السودانية، لاحظت أن معظم الأحاديث بين الناس تتركز حول الإغلاق والاعتقاد بوجود جهات خارجية تقف وراء الأمر.

شريان الحياة في السودان

أعادت الاحتجاجات القبلية في شرقي السودان، واستخدام المحتجين للموانئ كواحدة من أدوات الضغط على الحكومة السودانية، أهمية هذه الموانئ داخليا وخارجيا إلى الواجهة.

ويعتبر ميناء بورتسودان الميناء الرئيسي في السودان، ويضم عدة موانئ متخصصة هي: الميناء الجنوبي وهو مخصص للحاويات، والميناء الشمالي ويستخدم كمنفذ رئيسي لاستيراد السلع الاستراتيجية مثل الوقود والقمح والسكر، وميناء بشائر الخاص بعمليات تصدير نفط دولة جنوب السودان، بالإضافة إلى ميناء سواكن وهو مخصص لنقل المسافرين وصادرات الماشية.

ولقد أثر إغلاق الموانئ، الذي استمر لأكثر من شهر، على الأوضاع الاقتصادية وحياة الناس اليومية في معظم أرجاء البلاد. فالسكان في مدينة بورتسودان يشتكون من شح الوقود حيث تصطف عشرات السيارات أمام محطات الخدمة لساعات طويلة بحثا عن البنزين الغازولين. أما العاصمة الخرطوم فقد تأثرت بالنقص الحاد في الخبز في ظل عدم توفر الدقيق.

ولجأت الحكومة السودانية إلى الاستعانة بالمخزون الاستراتيجي من القمح المخزن في الولاية الشمالية في محاولة لتدارك الأزمة.

المنفذ البحري الوحيد

يبلغ طول الساحل البحري السوداني أكثر من 1370 ميلا بحريا وهو ما يجعله واحدا من أطول السواحل البحرية في العالم. كما يتميز بالشعب المرجانية والجزر والخلجان التي يمكن أن تكون مناسبة لإنشاء موانئ عليها.

وتزداد أهمية الميناء إذا علمنا أنه يعتبر المنفذ البحري الوحيد للسودان، وتستخدمه أيضا بعض دول شرق إفريقيا الحبيسة مثل إثيوبيا وجنوب السودان، كما تخطط الحكومة السودانية إلى إقناع دول أخرى مثل تشاد وأوغندا باستخدام الميناء.

وفي هذا الصدد يقول الخبير في شؤون القرن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس إن موقع الميناء يمثل قيمة إضافية له.

ويضيف: “تنبع أهمية الموانئ السودانية من كونها تقع في منتصف المسافة تقريبا بين آسيا وشرق أوروبا ما يجعلها مؤهلة لأن تكون مركزًا لصيانة وتأهيل السفن”.

تطوير البنى التحتية

قبيل الإغلاق كانت السلطات السودانية قد وقعت بالفعل اتفاقية مع شركة صينية لتطوير الميناء. وقد بدأت الشركة بالفعل الأعمال المتعلقة بالمناولة وتعميق الميناء في الميناء الجنوبي.

كما تعاقدت الحكومة مع شركة ألمانية للتطوير وزيادة القدرة الاستيعابية. وتأتي هذه الخطوات في سبيل تطوير الموانئ التي ما زالت تعتمد على الأنظمة القديمة في عملها، وجذب المزيد من السفن الكبرى

ويرى أبو إدريس أن هناك الكثير مما ينبغي على السلطات السودانية أن تقوم به لجعل الموانئ جاذبة للدول الأفريقية.

ويأتي تطوير البنى التحتية واتخاذ إجراءات لضمان عدم تكرار حوادث الإغلاق في مقدمة هذه الأمور بحسب أبو إدريس: “لو تم تطويرها فيمكن أن تكون موانئ بورتسودان هي القبلة المفضلة لدول شرق أفريقيا الحبيسة مثل إثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، خاصة وأن الحكومة السودانية قد وقعت بالفعل اتفاقيات مع بعض هذه الدول لاستخدام الموانئ”.

حرب الموانئ

أصبح الميناء في الآونة الأخيرة مكانا للتنافس الدولي والإقليمي وذلك لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية. وزادت الأهمية بعد بروز ما يعرف بمكافحة الإرهاب العابر للقارات وحماية أمن البحر الأحمر الذي يعبر منه حوالي 20 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من تجارة النفط.

ففي نوفمبر من العام الماضي، وافق رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين على مشروع اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان للحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي. وقد وافقت الحكومة السودانية على إقامة القاعدة في منطقة فلمنجو الإستراتيجية وبدأ الروس فعليا بعمليات إنشاء القاعدة.

غير أن المشروع توقف بعد أيام من وصول بارجة أمريكية إلى ميناء بورتسودان في منتصف يونيو 2021. وبررت الخرطوم توقف المشروع بأن الاتفاقية لم تتم المصادقة عليها من قبل البرلمان الذي لم يشكل بعد.

وخلال عهد الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، منحت الحكومة السودانية ميناء سواكن لتركيا من أجل تأهيله بعد زيارة شهيرة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزيرة في ديسمبر 2017.

حينها أشارت تقارير إعلامية إلى أن أنقرة، حليفة الدوحة وقتها، تريد استخدام الميناء لأغراض عسكرية ضد السعودية والإمارات العربية المتحدة وذلك في إطار الخلافات التي كانت العاصفة بين دول تلك المحاور.

ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد أمين مجذوب أن الموانئ السودانية وبموقعها الاستراتيجي المميز لن تنجو مما وصفها بحرب الموانئ.

ويمضى بالقول: “من يسيطر على الساحل السوداني يمكنه أن يستهدف السعودية والخليج وقناة السويس، وهذا ما يفسر التنافس الإقليمي والدولي على الموانئ السودانية”.