ملامح من زمن جميل، وابتسامة تكشف عن أسنان متساقطة من العجز، ملأ الشيب رأسيهما، يقتسمان ساعات اليوم فى مهنة شاقة غير مكترثين بآلام العظام التى تباغتهما فى جوف الليل، وبكرة الصباح، تثاقلت خطواتهما من أثر الزمن، منزلهما بات مقصداً لعشرات من الأهالى الباحثين عن أسطوانات الغاز، يستقبلان زبائنهما بابتسامة معهودة لا تغيب رغم مشقة اليوم.
قبل أكثر من ثلاثين عاماً، اختار العجوز السبعينى «محمد إبراهيم داود» العمل فى مهنة بيع أنابيب البوتاجاز، لتوفير نفقات المعيشة، ارتضى بها وتعايش مع مصاعبها، التى تركت آثارها على مفاصل جسده، حتى التقى بشريكة حياته و«دراعه اليمين» كما يلقبها، اقتسمت معه مصاعب المهنة، أجبرتها ظروفها الصعبة على التخلى عن أنوثتها، ومساعدة زوجها فى عمله لملء بطون أبنائهما، هكذا تحدث العجوزان إلى «» عن قصة حبهما وكفاحهما من داخل منزلهما الكائن فى منطقة البدرشين بمحافظة الجيزة.
قبل أن تشق أشعة الشمس ظلام الفجر، يبدأ يوم العجوز الشهير بـ«أبوداود» وزوجته العجوز «صفية فاروق»، يتولى هو إطعام الحصان، الذى بات رفيق رحلتهما منذ مطلع الثمانينات، يحملان على عربة كارو يجرها الحصان أسطوانات الأنابيب الفارغة فى طريقهما إلى مستودع الغاز القريب من بيتهما، يبدو مستقراً على متن حصانه بجواره زوجته، لا يتحرك من دونها، يجول بين شوارع المنطقة التى حفظها وألف عثرات الطريق بها.
اعتاد الأهالى منظر العجوز«صفية» وهى «تلفح» الأنابيب المملوءة بالغاز على ظهرها لتضعها على «الكارو»، بجوارها زوجها وشريك عمرها، يطرق العجوزان بمفتاح إنجليزى على الأنابيب، فيستيقظ من صداه النائمون فى منازلهم، لم تجد فى ذلك حرجاً، علاقة حبيبين كحبل المراكب، غليظ، يُظهر الشد مدى متانته.
وَهن العجوز السبعينى، رغم اعتياده حمل الأوزان الثقيلة، أمام مشقة المهنة، لم يقدر على حمل الأنبوبة بمفرده، فما كان منه إلا أن ترك تلك المهمة لزوجته: «ضهرى تعب وهى اللى بقت تشيل الأنابيب لحد البيوت».
يستكمل الحكاية «أبوداود»: «أنا شغال فى الأنابيب من أيام ما كانت بـ2 جنيه ونص، وطول عمرها هى سندى ودراعى اليمين، لكن دلوقتى الغاز دخل أغلب البيوت والبيع قل عن زمان». أيام طوال تمر دون أن يجد الزوجان زبائن لأنابيب البوتاجاز. تنهّدت العجوز «صفية» وقالت: «بقى عندى الغضروف، ولسه مضطرة أشيل الأنابيب عشان نعيش، نفسى فى مشروع أو كشك بسيط نعيش منه».