يديعوت – بقلم: سيفر بلوتسكر “أدخلت وزارة التجارة الأمريكية شركة البرمجة الإسرائيلية NSO إلى قائمة الشركات التي تعمل بالسايبر المغرض خلافاً للمصلحة القومية الأمريكية. وذلك لأن بعض البرامج من إنتاج NSO، التي اشترتها حكومات أجنبية ذات حكم مطلق تستخدم أو يمكنها أن تستخدم أيضاً للملاحقة وللمس بسياسيين من المعارضة لحركات الاحتجاج، وبالصحافيين وبمعارضي النظام بصفتهم هذه، من أجل إسكات معارضتهم. قرأت هذا النبأ ثلاث مرات كي أتأكد بأنه ليس ملفقاً. فقد بدا لي غريباً جداً. ولكن تبين أنه حقيقي.
لنوضح: برامج السايبر لا تلاحق المواطنين، بل الأنظمة هي التي تلاحق المواطنين. لا تبيع أي شركة إسرائيلية برامج ملاحقة وتجسس لحكم بوتين، فهل هذا يعني أنه لا يلاحق ولا يصفي معارضيه؟ رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو زج في السجن آلاف المتظاهرين ضد تزويره الانتخابات دون أن يستعين ببرنامج “بيغاسوس” من إنتاج NSO تلك.
النظام الصيني الحالي لا يشتري “بيغاسوس”، وهذا لا يمنعه من التجسس على مئات ملايين المواطنين الصينيين، ويقيد حرية المعلومات وحقوق المواطن الأساسية لديهم. انعدام العلاقات مع NSO لا يمنع أيضاً عن نظام بكن من اضطهاد الأقليات الإسلامية. فهل فكرت الولايات المتحدة بقطع علاقاتها التجارية مع الصين لهذا السبب؟
وزارتا الدفاع والخارجية الإسرائيليتان تمارسان رقابة وثيقة على التصدير الأمني، بما في ذلك السايبر والبرامج. وها هو ما قاله المدير العام لوزارة الدفاع اللواء احتياط أمير ايشل، في مقابلة لـ “يديعوت أحرونوت” في نهاية الأسبوع الماضي: “عندما تنتقل منتجات السايبر إلى ملكية الشاري يمكنها بسهولة أن تتجاوز الحدود والاستخدامات. في حالة أن اشتراها الزبائن فإنهم يستخدمونها دون علمنا، وليس حسب شروط الترخيص، بل ويخرقون حقوق الإنسان الأساسية بواسطتها. عندما نعرف بخرق الشروط، فوراً نطالب بوقف استخدام البرنامج، ثم تعمل الشركة البائعة على إحباط الاستخدام المحظور. ولكن حتى عندما نجتهد، يكون النجاح أحياناً جزئياً. فالزبون الدولة المشترية مثلاً قد يتحكم بالهواتف النقالة لأغراض منع الإرهاب ومن شأنه أن يسيء استخدامها فيلاحق معارضي النظام دون أن يكون المصدر الإسرائيلي على علم بذلك. نحن في وزارة الدفاع نفعل قصارى جهدنا أبعد مما هو دارج في العالم للمنع وللرقابة، ومع ذلك نتعرض للنقد ونتحمل آثاراً سياسية سلبية، مثلما في حالة NSO”.
يخيل أنه كان يجدر إرسال موظفي وزارة التجارة الأمريكية إلى أقبية الشتازي، شرطة الأمن الشرق ألمانية سيئة الصيت والسمعة، كي يروا بعيونهم الكيلومترات الطويلة من الرفوف التي تتكدس فيها ملفات الملاحقة والتجسس على كل مواطن (تقريباً) كان يعيش حتى 1989 تحت الشيوعية في شرقي ألمانيا، بما في ذلك التنصت على المكالمات الهاتفية من كل الأنواع، دون أن يكون الشتازي اشترى منتجات سايبر من NSO بالطبع. وإذا لم يكن بوسع الموظفين الكبار الحصول على رحلة إلى ألمانيا، يمكنهم أن يشاهدوا في الفيديو البيتي الفيلم الألماني الذي لا ينسى “حياة الآخرين” في الموضوع إياه بالضبط.
إن البرامج لا تقتحم وسائل الاتصال، ولا تتجسس على المواطنين ولا تمس بحقوقهم. الحكومات والأنظمة هم المذنبون، ويتعين على حكومة الولايات المتحدة أن تتخلص منهم بعد فحص ما يحصل في مخزونات الملاحقة هائلة الحجوم لسكان أمريكا أنفسهم والتي تديرها الوكالات حكومية كهذه أو تلك، بواسطة برامج ذكية جداً. ليست برامج إسرائيلية، وكلها بمباركة البيت الأبيض في واشنطن وبأوامره.