أفاد مصدر أمني بأن محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، فجر اليوم الأحد، “تمت بثلاث طائرات مسيرة، أسقطت منها قوات حماية رئيس الوزراء الأمنية اثنتين”، فيما انفجرت الثالثة و”ألحقت أضراراً بمنزله” حسبما نقلت عنه وكالة فرانس برس.
وأوضح مصدر أمني آخر أن “الطائرات الثلاث انطلقت من جهة نهر دجلة قرب جسر الجمهورية”، المقابل للمنطقة الخضراء المحصنة حيث يقع منزل الكاظمي ومقرات حكومية وسفارات غربية بينها السفارة الأميركية.
وأضاف المصدر أن بطاريات “سي رام” الدفاعية الأميركية “لم تفعّل”، موضحاً أن “السبب بعد المسافة بين المنزل وبين السفارة الأميركية، فالمنظومة مخصصة للعمل على حماية السفارة الأميركية والمباني المحيطة بها من ضمنها قيادة العمليات المشتركة” للجيش العراقي.
وأدى الهجوم إلى إصابة اثنين من حرس الكاظمي الشخصي بجروح طفيفة، وفق مصدر أمني ثالث.
وتشهد الجهة المقابلة لهذه المنطقة اعتصاماً لمعترضين على نتائج الانتخابات النيابية المبكرة، التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تطوّر إلى صدامات مع القوات الأمنية راح ضحيته شخص على الأقل وأصيب نحو 125.
وترفض الكتل السياسية الممثلة للحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل شيعية موالية لإيران ومنضوية في القوات المسلّحة، النتائج الأولية التي بيّنت تراجع عدد مقاعدها.
وتكررت في الأشهر الأخيرة الهجمات بالطائرات المسيرة، وهي تستهدف خصوصا القوات والمصالح الأميركية في العراق ولا تتبناها أي جهة، لكن تنسبها واشنطن عادة إلى فصائل عراقية موالية لإيران تطالب بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق.
وخرجت ردود الأفعال المستنكرة عقب هذا الهجوم، من أطراف محلية ودولية وعربية. وشجب الرئيس العراقي، برهم صالح، “الاعتداء الارهابي الذي استهدف رئيس الوزراء”، فيما ندّد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بـ”العمل الإرهابي” الذي استهدف الكاظمي، معتبراً في تغريدة أنه “استهداف صريح للعراق وشعبه”.
وأدانت بعثة الأمم المتحدة في العراق “محاولة اغتيال” الكاظمي، داعيةً إلى “الهدوء والحثّ على ضبط النفس”.
وسارعت الولايات المتّحدة إلى إدانة هذا “العمل الإرهابي الواضح” وعرضت على السلطات العراقية المساعدة في التحقيق.
واستنكرت كل من جامعة الدول العربية ومصر ولبنان والسعودية ومجلس التعاون الخليجي كذلك الهجوم.
واستنكرت إيران محاولة اغتيال الكاظمي ودعت إلى “اليقظة لإحباط المؤامرات الأمنية” في البلد المجاور. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية، سعيد خطيب زاده، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) إنه “ندين استهداف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ونؤكد موقفنا الثابت بدعم الأمن والاستقرار في العراق”.
وأضاف “أدعو الجميع الى التحلي باليقظة لمواجهة المؤامرات الرامية لاستهداف أمن العراق وتنميته”، مشيرا إلى أن “عملية الاغتيال تصب في مصلحة المعتدين على استقرار العراق وأمنه واستقلاله لتحقيق مطامعهم الاقليمية”.
وتابع البيان أن “مثل هذه الاحداث تصب في صالح من انتهك سيادة العراق واستقلاله على مدى 18 عاما وأيضا في صالح من سعى لتأسيس الجماعات الإرهابية وزرع الفتنة لتحقيق أهدافه الإقليمية المشؤومة” في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.
رجل المخابرات الذي لا يعادي أحدا
الكاظمي هو رئيس سابق لجهاز المخابرات وصحافي سابق ومفاوض ماهر بات مستقبله السياسي مجهولاً بعد الانتخابات النيابية المبكرة، التي جرت الشهر الماضي
وتولى الكاظمي، المولود في بغداد عام 1967، رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي في حزيران/يونيو 2016، في ذروة المعارك ضدّ تنظيم “داعش”.
ونسج خلال وجوده في هذا الموقع الإستراتيجي الذي أبعده عن الأضواء، روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
في بداياته، كان الكاظمي الذي درس القانون في العراق، صحافياً وناشطاً مناهضاً للرئيس العراقي السابق صدام حسين من أوروبا، التي لجأ إليها هرباً من النظام الدكتاتوري. وعاش سنوات في المنفى لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب العراقية.
بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي، تزامناً مع دوره كمدير تنفيذي لـ”مؤسسة الذاكرة العراقية”، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم نظام البعث.
في العام 2016، كانت مفاجأة أن يعيّن رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي، كاتب العمود والناشط الحقوقي في رئاسة جهاز المخابرات.
إضافة إلى دوره في مكافحة الإرهاب والتهريب على أنواعه، طوّر الكاظمي مواهبه كمفاوض ووسيط. وقال سياسي مقرب منه، إن “للكاظمي شخصية لا تعادي أحداً، صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأميركيين، وعلاقة عادت إلى مجاريها مؤخراً مع الإيرانيين”.
خلال زيارة إلى الرياض، المنافس الإقليمي لطهران، عقب توليه رئاسة وزراء العراق في أيار/مايو 2020، شوهد الكاظمي وهو يعانق مطولاً صديقه الشخصي، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ونتيجة هذه العلاقات المنسوجة شرقاً وغرباً، حاول في الأشهر الأخيرة جعل بغداد تتمتّع بمركز دولي. فقد كانت العاصمة العراقية مسرحاً لمفاوضات مغلقة بين طهران والرياض، وشهدت زيارة تاريخية للبابا فرنسيس في آذار/مارس، واستضافت في آب/أغسطس الماضي مؤتمراً دولياً، شارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. واعتبر مراقب غربي أنّ الكاظمي “يجسد عودة دولة عراقية ذات سيادة”.
لكنّ فصائل موالية لإيران تتّهمه بأنه متواطئ في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على يد الولايات المتحدة في بغداد. وكان لا بدّ عليه لذلك أن يعيد تحسين صورته أمام طهران.
وقال مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، توبي دودج، “إنه مفاوض بارز ولاعب ماكر”.