| 70 سنة عسلية.. رحلة «عم سعيد» كلها كفاح: ربيت كل عيالي منها

في تمام الرابعة فجرا، يستيقظ «عم سعيد»، دون الحاجة إلى منبه آلي أو بشري، فنداء العمل والرزق كان يكفيه، ليسرع إلى عربته التي يدفعها بيديه، قاصدا شوارع مدينة بنها وقراها المختلفة، ليصنع ويبيع العسلية بالسوداني، التي اشتهر بها بين جميع سكان المدنية التي يطلقون عليها «بنها العسل».

«عم سعيد» كما يعرفه الكثيرون من سكان هذه المدينة، من مواليد 1940، ويبلغ من العمر حاليا حوالي 81 عاما، ويعمل في صناعة العسلية وبيعها، منذ أن كان طفلًا في عمر الـ 10 سنوات فقط، بعدما ورث تلك المهنة عن والده، التي ورثها عن جده، ليعمل بها لأكثر من 70 عاما، وينفق من خلالها على أبنائه «ولدين وبنت»، بخلاف أولاده الخمسة الذين توفوا خلال رحلته مع هذه الحياة، حسبما يحكي «عم سعيد» في حديثه مع «».

80 سنة شقى وسعي

«ربيت كل عيالي من عربية العسلية دي، 80 سنة بشقى عليهم من الحلال، مدخلتيش عليهم قرش حرام»، بهذه الكلمات يفتتح «عم سعيد» حديثه عن الرحلة الطويلة تلك مع صناعة العسلية وبيعها، موضحا أنه كان كل يوم يجر عربته بساعديه، لمسافات طويلة تتخطى عشرات الكيلو مترات، ليصنعها أمام أطفال المدارس وفي شوارع القرى المختلفة على عربته قبل أن يبيعها لهم.

عسل وسكر

ومن العسل والسكر يصنع «عم سعيد» العسلية المشهور بها في كل شوارع مدينة بنها وقراها المختلفة، ورغم تشابه مكوناتها إلا أنها لها طعم مختلف لدى كل من تذوقها، قائلا: «العسلية بعملها من العسل والسكر، بس السر في الصنعة نفسها، وبعد ما أخلصها بحشيها سوداني بيخلي طعمها جميل».

مهنة واحدة

لم يعرف الرجل الثمانيني، مهنة غير صناعة العسلية وبيعها في الشوارع والطرقات، ورغم ذلك نجح من خلالها أن ينفق على تربية وتعليم أولاده، وكذلك أحفاده من بعدهم، موضحا: «لفيت بيها تقريبا كل بنها والقرى المجاورة ليها، أنا رحت لحد ربنا بيرزقني برزقهم كل يوم، وكأنه بيكافئني على تعب اليوم».

يرفض «عم سعيد» ترك عمله

ومنذ أن تقدم «عم سعيد» في العمر، ويحاول أبناؤه، أن يبعدوه عن ضغط هذا العمل، وأن يوفروا له سبل الراحة بعدما بلغ من العمر أرذله، لكن جوابه الدائم أمام كل هذه المحاولات المستمرة، التي لا تنقطع: «مش عايز أقعد من الشغل، اللي زيي لو قعد من الشغل يموت، ولادي كل يوم بيتحايلوا عليا، بس أنا مش هقدر أبعد عن عربية العسلية».

الرجل الثمانيني

وبعدما لم تعد الصحة كما كانت، اكتفى الرجل الثمانيني، بصناعة العسلية وبيعها أمام بيته بشارع الشدية من مدينة بنها، بدلا من اصطحاب عربته إلى شوارع المدينة والقرى الخاصة بها، موضحا: «الصحة مش زي الأول، فبقالي حوالي 10 سنين، بقف بالعربية قدام البيت عندي، كل يوم من 7 الصبح، لحد المغرب أو بعد المغرب، يعني على حسب ما أخلص».

زيارة النبي

وطوال هذه الرحلة، نجح المسن البنهاوي في تحقيق كل الأحلام، التي تمناها في يوم من الأيام، باستناء حلم واحد فقط، يكشف عنه في نهاية حديثه مع «»، وعينه تتلألأ بالدموع، قائلا: «نفسي أزور النبي عليه الصلاة والسلام، ومش عايز حاجة بعد كدا، ساعتها هحس إني خدت كل حاجة من الدنيا دي».