قلة العروض وضخ القروض يلهبان عقارات الرياض

شهدت مدينة الرياض خلال السنوات القليلة الماضية ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الأراضي خصوصًا في الأحياء الشمالية لعدة أسباب، وقد تفاوتت الآراء بين المحللين والعقاريين حول مقدار وأسباب هذا الارتفاع، ففي وقت أرجع العقاريون سبب زيادة الأسعار إلى زيادة الطلب وعدم وجود العروض الكافية، قال المحللون العقاريون إن أبرز الأسباب هو تزايد وتيرة ضخ القروض العقارية الممنوحة، وبطء تطبيق المراحل التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء.

5 معايير

أكد صاحب شركة عقارية فضل عدم ذكر اسمه لـ«الوطن» أن هناك ارتفاعًا عاليًا في الأسعار، وأرجع أسباب الارتفاع إلى قلة العروض وقلة المخططات المعتمدة، وحدد معايير تحديد سعر الأرض بـ5 معايير وهي: «قربها للخدمات، وواجهة الأرض، وتوسطها في الحي، وعدم وجود غرفة كهرباء، وعرض الشارع».

وتوقع أن تكون هناك ارتفاعات قادمة في أسعار العقارات في الرياض، مشيرًا إلى أن الأسعار حاليًا تبدأ من 3500 ريال للمتر إلى 7500 للسكني، لأن الطلب أكثر من العرض، والإقبال أكبر من جهة التجار، مضيفًا أن الطلب الآن على السكني والتجاري، وأهم سبب للارتفاع عدم وجود العروض الكافية.

ارتفاع حقيقي

قال عبدالحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية لـ«الوطن»: هناك ارتفاع حقيقي بأسعار الأراضي، مشددًا على أن هذا الأمر أصبح ملموسًا في السوق العقارية المحلية من قبل جميع الأطراف، سواءً المستثمرين أو المطورين أو السماسرة أو الطرف الأهم المتمثل في المستهلكين النهائيين من الأفراد الباحثين عن تملك أراضٍ أو وحدات سكنية.

وأضاف العمري: «وفقًا لأحدث بيانات السوق العقارية حتى نهاية الربع الثالث 2021، حيث سجل المتوسط العام لأسعار الأراضي ارتفاعًا سنويًا وصلت نسبته إلى 33.8 % بالمقارنة مع نفس الربع من العام الماضي، وبحال قارنت المتوسط العام لأسعار الأراضي نهاية الربع الثالث 2021 مع مستواه خلال الربع الرابع 2018، فستصل نسبة الارتفاع إلى مستوى قياسي يتجاوز 85 %».

القروض العقارية

تابع العمري: «‏أمّا بخصوص أسباب الارتفاع؛ فقد جاء بصورةٍ لافتة مع مطلع 2019، كاستجابةٍ مباشرة لتزايد وتيرة ضخ القروض العقارية الممنوحة للأفراد طوال تلك الفترة الماضية حتى تاريخه، التي وصل حجمها منذ يناير 2019 حتى نهاية أغسطس 2021 إلى أعلى من 321.4 مليار ريال، أي ما تصل نسبته إلى 96.7% من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني (332.4 مليار ريال) لنفس الفترة، وساهمت هذه الطفرة في القروض في الدفع بقوى الطلب على الأراضي والوحدات السكنية نحو تنفيذ 674 ألف عقد تمويل عقاري، كانت كفيلة بإغراء جانب العرض على زيادة الأسعار السوقية، والاستفادة القصوى زيادة الطلب المدعوم بالضخ الائتماني غير المسبوق على تملك الوحدات السكنية، والمدعوم أيضًا على مستوى تحمّل الصندوق العقاري لأجزاء كبيرة من الفوائد البنكية المحتسبة للقروض العقارية».

مراحل التنفيذ

أشار العمري إلى أنه ‏مقابل كل ذلك؛ لم تشهد السوق العقارية تحركًا مماثلًا من حيث السرعة لتطبيق المراحل التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، الذي اكتفى بتطبيق المرحلة الأولى من النظام في أربع مدن فقط (الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة) طوال الأعوام الماضية، مضيفًا أنه لا تزال أوضاع التنفيذ حتى تاريخه عند نقطة ما تم الإعلان عنه قبل أكثر من عامٍ من تاريخه في شأن بقية المراحل التنفيذية التالية، الذي تضمّن الإعلان عن البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من النظام في كلٍ من الرياض وجدة والدمام قبل نهاية العام الجاري، ولم يصدر حتى تاريخه أي إعلان إلحاقي عمّا تم في هذا الشأن من تطورات أو إجراءات، كما تضمّن الإعلان السابق خلال العام الماضي عن بدء تنفيذ المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في 17 مدينة إضافية أخرى.

وزاد: «خلاصة الأسباب أعلاه؛ أنّ أبواب دعم الطلب تم دعمها بـ 321.4 مليار ريال، مقابل تأثير محدود جدًا لنظام الرسوم على الأراضي (المرحلة الأولى في 4 مدن فقط) على جانب العرض، لم يتجاوز ما تم صرفه من متحصلاتها طوال تلك الفترة سقف 2.0 مليار ريال! والنتيجة الحتمية لهذا الفارق الكبير أن ترتفع الأسعار بصورة قياسية».

الخدمات والمرافق

استطرد العمري قائلا: «والمعايير التي من الممكن أن تحدد سعر الأرض يدخل فيها العديد من المحددات الأساسية، من أهمها موقع ومساحة الأرض وتضاريسها، إضافةً لمعامل توافر الخدمات والمرافق (كالطرق، الكهرباء، المياه والصرف الصحي وتصريف السيول، الاتصالات، الخدمات الصحية والتعليمية)، ورغم كل تلك المحددات فإنه بحال سيطرت تعاملات الاكتناز والاحتكار والمضاربة على التعاملات العقارية في أحياء أو مناطق معينة، فإنها بالتأكيد ستلغي تأثير تلك المعايير أو المحددات الأساسية، ويصبح الاحتكار والمضاربة هما المؤثران الأكبر والمسيطران على الأسعار، ولهذا تجد أحياء ومناطق في المدن الرئيسة تفتقر إلى أغلب أو كل تلك المحددات الأساسية، لكن في المقابل تجد أسعارها تقفز بمعدلاتٍ قياسية تتجاوز 100 % إلى 130 % خلال أقل من سنةٍ واحدة، وأقرب مثالٍ على ذلك ما يجري مشاهدته في مخطط الخير شمال مدينة الرياض!».

انخفاض الأسعار

توقع العمري إذا استمرّ العاملان الرئيسيان (الضخ القياسي للقروض العقارية، مع ثبات الرسوم على الأراضي عند وضعها الراهن)، فستبقى الأسعار متضخمة وقد تشهد مزيدًا من الارتفاع لكن بوتيرةٍ أبطأ مما حدث خلال الفترة 2019-2021 كونها وصلت إلى مستويات قياسية بعيدة جدًا عن قدرة غالبية المشترين/المستهلكين النهائيين من الأفراد، لافتًا إلى أن أسعار الأراضي في شمال الرياض شهدت أعلى معدلات الارتفاع خلال الأعوام القليلة الماضية، لعديدٍ من الأسباب، منها ما تقدّم ذكره، ومنها ما ارتبط بالإيقاف الذي امتد لمساحاتٍ واسعة من تلك المنطقة، وكما هو معلومٌ أنّ كثيرًا منها انتهى إيقافها خلال العام الجاري.

وبخصوص الطلب والعرض بالوقت الحالي قال العمري: «على الرغم من غياب الأدوات الدقيقة التي تقيس هذين الجانبين المهمين، والتي سيؤدي بدأ عمل «البورصة العقارية» في الكشف عنه بدقةٍ أكبر، إلا أن الدارج الآن أن الطلب أكبر حسبما يكرره دائمًا منهم في جانب العرض (ملاك أراضي، مطورون، سماسرة)، وهو أمرٌ غير صحيح! فبالنظر إلى المساحات الشاسعة جدًا من الأراضي والعدد الكبير من الوحدات السكنية المعروضة للبيع في أغلب المدن والمحافظات، سيتأكّد للجميع أنّ العرض أكبر بكثيرٍ من حجم الطلب، ولو تم استبعاد طلب المتاجرين والمكتنزين والمضاربين من جانب الطلب، فستكون الحقيقة أوضح بصورةٍ تختلف 100 % عما يتم ترويجه من كون الطلب يفوق العرض، ويكفي الإشارة هنا إلى إجمالي مساحات الأراضي غير المطورة المشمولة بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء الخام في أربع مدن (الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة) التي تتجاوز مساحتها 420 مليون متر مربع، مقارنة بالعدد المحدود جدًا لملاكها، والعدد الكبير جدًا من الوحدات السكنية لو تم تطويرها والبناء عليها».

الأفراد أم التجار

بخصوص الأكثر إقبالا على شراء العقارات الأفراد أم التجار أجاب بقول: «نظرًا لسيطرة تعاملات الاكتناز والمضاربة من واقع تعاملات السوق، فإنّ المتاجرين والمضاربين يمتلكون كفّة الترجيح دون أي منافسة! ولتتأكّد من هذا الأمر، يكفي النظر إلى المزادات العقارية وكيف تنتهي خلال أقل من ساعة إلى ساعة ونصف، وأنظر من هي الشريحة التي قامت بالشراء خلال تلك الفترة الوجيزة؛ هل يمكن أن يكونوا أفرادًا أم تجارًا؟!»

‏وأوضح أنه وفقًا لبيانات السوق العقارية من خلال موقع وزارة العدل خلال الفترة 2012-2016، شكلت نسبة قيمة صفقات القطاع السكني 66% من إجمالي الصفقات على الأراضي، والتجاري نسبة 32.9%، فيما لم تتجاوز نسبة قيم صفقات القطاع الزراعي والصناعي 1.2%، مشيرًا إلى تزايد توجه الكثيرين إلى هدم المنازل القديمة وإعادة بنائها أو ترميمها لأنها تتمتع بجودة بناء أفضل بكثير من المنتجات العقارية المشيّدة حديثًا، وفي الوقت ذاته تُعرض بأسعار غالية جدًا.

صفقات وهمية

اتفق المحلل الاقتصادي عسكر الميموني في سياق تصريح لـ«الوطن» مع ما ذكره العمري على أنه هناك ارتفاع حقيقي بأسعار الأراضي حاليًا، وأرجع السبب إلى وجود صفقات وهمية حدثت بفترة من الفترات ونشر عنها في الصحف.

ولفت الميموني إلى أن البورصة العقارية انطلاقتها قريبة قبل نهاية السنة حسب تصريح وزير العدل وإصلاحات السوق العقارية تسير وفق الخطط التي تساهم في سوق عقار حقيقي خالٍ من سوق وهمي، إضافة إلى مكافحة التستر التجاري من ناحية الوافدين العاملين في السوق العقاري ستساهم في تصحيح الأسعار التي نراها، وجميع ما ذكرته نشر بالإعلام سابقًا.

فلل للتقبيل

عن الأسعار الحالية للعقار قال: «في عامي 2016 و2017 كان سعر فيللا دبلكس يتراوح من 680 – 800 ألف، ولكن المواطن لا يستطيع تأثيث هذه الفيللا فيتم إغراؤه برفع السعر وهميًا بمئة ألف أو مئتين للتأثيث، كثير من المواطنين لا يملك قيمة الأثاث، وقيمة الأثاث تتراوح من 50 – 100 ألف، المواطن لا يملك القيمة حسب متوسط الرواتب، فيتم إغراؤه بإضافة قيمة الأثاث إلى قيمة الفيللا، واليوم نرى طرحًا عقاريًا جديدًا «فلل للتقبيل» فبرامج التواصل الاجتماعي تعج بمصطلح فلل للتقبيل فالكثير يحاول التخارج.

إقرار كود البناء

شدد الميموني قائلًا: «شركة روشن ستساهم في إصلاح خلل وتشوهات السوق العقاري، وسبق وأن ذكرت مصطلح «الفلل الكرتونية» ورأينا ذلك على أرض الواقع رأينا ضحايا لهذه الفلل، وساهم بنشر التوعية في إقرار كود البناء السعودي الذي يحفظ حقوق المواطن من غش البناء، مؤكدًا في ذات السياق أن العرض كبير والأراضي موجودة، اليوم نرى كثيرًا من الشقق خالية وإيجارها انخفض وستنخفض أكثر من ذلك لكي يكون هناك توازن بين متوسط الإيجارات ومتوسط الرواتب، وأن متوسط راتب المواطن لا يستطيع الشراء بهذه الأسعار والصفقات التي نراها ما بين التجار لا تمثل دخل المواطن، وليست كل صفقة تتم إنه مواطن متوسط راتبه 8 آلاف ريال».

5 معايير لتحديد سعر الأرض

قربها للخدمات

واجهة الأرض

توسطها في الحي

عرض الشارع

عدم وجود غرفة كهرباء

القروض العقارية وارتفاع الأسعار

تزايد وتيرة ضخ القروض العقارية الممنوحة للأفراد

321

مليارًا قيمة القروض منذ يناير 2019 حتى نهاية أغسطس 2021

%96.7

من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني (332.4 مليار ريال) لنفس الفترة