ميخائيل ميلشتاين: بمرور نصف سنة على “حرب غزة”.. حماس “تجدد اللعبة” وإسرائيل تفقد الاستراتيجية

يديعوت- بقلم: ميخائيل ميلشتاين         “قائمة بين الطرفين حتى ذلك الحين. يحل محل التسوية القديمة اليوم أخرى جديدة في أساسها خطوات مدنية غير مسبوقة تعمل عليها إسرائيل تجاه القطاع بما فيها التوسيع الكبير لحجم البضائع وعدد العمال الذين يخرجون إلى إسرائيل وإزالة الموانع عن التصدير والاستيراد. وبالتالي، فإن حماس استعادت عموم الذخائر التي فقدتها عقب المواجهة، بل وحققت إنجازات لم تكن لديها قبل نصف سنة.

تسجل إسرائيل ظاهراً إنجازاً في شكل هدوء طويل، ولكنها لم تنجح في تحقيق معظم الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها مع نهاية المعركة ووعدها بأن يطرأ تغيير جذري في قواعد اللعب بينها وبين حماس. عملياً، تواصل الحركة السيطرة على المنطقة، بل إن قبضتها عليها تتعزز بفضل التحسن في الوضع الاقتصادي؛ ونفوذ السلطة في القطاع يتقلص بالتدريج؛ وتواصل قطر -وهي جهة إشكالية من أساسها- لعب دور أساس وتشكل الجهة الخارجية الأكثر تأثيراً إلى جانب مصر، على الواقع الغزي.

إن التسوية الجديدة – القديمة في القطاع تترسخ دون أن تكون حماس مطالبة بتنازلات في مسائل جوهرية كالأسرى والمفقودين، واستمرار تعاظمها العسكري وتوجيه الإرهاب في الضفة، وبعد أن نفذت الحركة احتكاكات عنيفة في القطاع في نصف السنة الأخيرة وفي ذروتها قتل مقاتل حرس الحدود. تقف حماس عملياً أمام مطلب واحد فقط: حفظ الهدوء الأمني في غزة، والوضع الذي بوجوده على مدى الزمن يثبت السيطرة الكاملة للحركة على المنطقة.

وبالتالي فإن التسوية تمنح إسرائيل هدوءاً على المدى القصير، ولكنها تنطوي على احتمال لتعاظم التهديدات على المدى البعيد. فضلاً عن ذلك، فإن الواقع المتشكل في غزة يشكل اعترافاً بحماس من قبل إسرائيل كحقيقة قائمة للمدى البعيد، وبقدر بشكل يشبه الشكل الذي ينظر فيه إلى “حزب الله”.

يعكس الأمر الحقيقة المرة التي تقضي أن ليس لدى إسرائيل بدائل استراتيجية إزاء لغزة. فكون إسقاط حكم حماس وتجريد القطاع ونشر قوة دولية في المنطقة ليست سيناريوهات واقعية، فليس أمام إسرائيل غير الحسم بين مناوشات متواصلة معناها انعدام هدوء أمني وبين تسوية بعيدة المدى ستستغلها حماس بالطبع لغرض التموضع والتعاظم تمهيداً لمعارك المستقبل.

رغم التقدم المتسارع في تحقيق التسوية، لا يدور الحديث عن مسار حتمي، بل عن مسيرة يمكن لإسرائيل أن تؤثر على شكلها. في هذا الإطار نوصي بالاشتراط بتصميم، الآن أيضاً، استمرار تنفيذ خطوات مدنية بتلبية مطالب إسرائيل، وعلى رأسها التقدم في مسألة الأسرى والمفقودين. من غير المستبعد أن يكون من شأن مثل هذا الموقف أن يثير احتكاكات من جديد، لكن الأمر حيوي لغرض تعزيز صورة إسرائيل في نظر حماس، والتي تآكلت بقدر ما في الأشهر الأخيرة.

إن التسوية المتحققة في غزة تجسد أكثر من أي شيء آخر غياب استراتيجية إسرائيلية في الموضوع الفلسطيني، سواء بسبب انعدام الرغبة أم بسبب انعدام القوة. مع غياب الحسم، تحاول إسرائيل أن تغطي بواسطة “السلام الاقتصادي”، الذي كما أسلفنا، يوفر هدوءاً على المدى القصير ولكنه ينطوي على ضرر على المدى البعيد: فالحالة الغزية تحول حماس إلى حقيقة قائمة وتهديد متعاظم، وفي الضفة هناك سير متواصل وغير واعٍ وغير مخطط نحو واقع الدولة الواحدة.