بجانب إحدى إشارات المرور بمحافظة الإسماعيلية، يقف محمد عصام، 28 عامًا، مستندًا بذراعيه على عكازين، وفي يديه عقود من الفل والياسمين، ليبيعها لأصحاب السيارات المارة على الطريق، مناديًا: «يا ياسمين يا فل»، وبعضهم يغلق زجاج السيارة في وجهه، بينا يبتسم له آخرون ويشترون منه الزهور، وهم قلة بحسبه.
بدأت معاناة «محمد»، عندما تعرض لحادث سيارة على الطريق، وهو في الـ5 من عمره، ما جعله يعيش باقي حياته عاجزًا، لكنه في الوقت نفسه وجد نفسه مسؤولا عن أخوته الصغار بعد وفاة والده، ليقرر رغم إعاقته أن يخرج ليبيع الفل والياسمين بعد عام واحد من الحادث.
محمد: الناس مابقتش زي زمان
وبعد 22 عامًا من بيع الفل والياسمين، أصبح «محمد» معروفًا لأهالي الإسماعيلية بالوقوف في مكانه، بجوار إشارة المرور، شاهدا على تغير كل شئ خلال هذين العقدين، حتى معاملة الناس له، لكنه ظل محافظا على مكانه لم يتغير: «الناس مابقتش زي زمان، ورغم إن أغلب الناس عارفاني وبتشتري مني، إلا إن في منهم ناس بتعاملني وحش وكل واحد بيفكر في نفسه بس، أنا تعبت من وقفتي على رجلي ساعات طويلة عشان أبيع بـ60 جنيه فل وياسمين».
النهار جمع الفل.. والليل بيعه على الطريق
رحلة محمد، يوميا، في بيع الفل، تنقسم إلى جزئين أحدهما نهارا، حيث يقضي ساعات طويلة من النهار يجمع الفل والياسمين، حتى تأتي الساعة 6 مساءً، ليبدأ الجزء الثاني، من خلال وقوفه على الطريق حتى منتصف الليل ليبيع ما جمعه طوال النهار: «بقطف في اليوم حوالي 150 عقد وببيع حوالي 60 منهم، والواحد سعره جنيه وربع فقط، ورغم إن سعره رخيص لكن قليلين جدًا اللي بيشتروا مني».
محمد يطالب يحلم بكشك أو وظيفة
وكل ما يأمل به الشاب، صاحب المسؤولية، هو امتلاك «كشك» بسيط يجلس فيه ويبيع الفل والياسمين، دون التعرض لأذى المارة، فهو رغم عجز تتعدد مسؤولياته، فإحدى شقيقاته مقبلة على الزواج، ويريد أن يجهزها، فضلا عن إيجار الشقة التي يقطن بها، رفقة أشقائه، وقيمته 750 جنيهًا، فضلا عن مصاريف الطعام والشراب: «نفسي في أي وظيفة تحميني من كلام الناس في الشارع، والناس اللي بتقفل زجاج العربيات في وشي، تعبت من الوقوف ورجلي بتتعبني».