وجرى عرض فيديو حول أبرز مضامين الكتاب ومُخرجاته، ثم ألقت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان فالنتينا قسيسيّة كلمة، اعتبرت فيها أن المعرفة بمفهومها البسيط هي ابنة البحث، وهي عملية تراكمية لا تعترف بالنهايات البسيطة، ولكن تؤمن وأصحابها بالاستمرارية التي تقود إلى سلسلة واسعة من التطوير والتحديث في البنى الفوقية وما يختصّ بالإنسان قبل البنى التحتية. ولفتت إلى التحدّيات الجدّية التي يواجهها عالَمنا العربي والتي تؤثّر بشكلٍ مباشر على حياة الأفراد والمجتمعات، كالأمن الغذائي العربي، والزراعة وندرة المياه الصالحة للشرب التي تعاني منها الأقطار العربية، بينما يتنافس الأردن على المرتبة الأولى كأكثر البلدان فقراً للمياه، والقائمة تطول كثيراً.
ثم ألقى المدير العام لمؤسسة الفكر العربي البروفسور هنري العَويط كلمة، لفت فيها إلى أنّ اختيار مؤسسة شومان لانعقاد هذه الندوة، لم يكن مبنيّاً على علاقات التعاون الوثيق التي نسجناها ووطّدناها بين مؤسّستَينا، بل على اعتبارِنا مؤسسة شومان، التي أطلقت في العام 1982 جائزة الباحثين العرب، رائدة على صعيد دعم البحث العلمي وإبرازه، وعلى اعتبارنا الصندوق الذي أنشأته في العام 1999، نموذجاً للمبادرات الأهلية الرامية إلى نشر المعرفة والتحفيز على الابتكار، فهي بالتالي معنية مباشرة بمضمون كتابنا وبالرسائل التي يسعى إلى إيصالها. وأكد العَويط أن الكتاب الذي تنعقد ندوتنا حوله، يستكمل الجهود التي ما فتئت مؤسسة الفكر العربي تبذلها لتوطين المعرفة وتوليدها ونشرها، بتوجيه من رئيسها
الأمير خالد الفيصل، ودعمٍ من مجلس أمنائها، ويُضفي عليها المزيدَ من الكثافة، بفضل المزايا المنهجية التي يتحلى بها. ولفت إلى الطابع الشمولي الذي يتّسمُ به الكتاب، والذي يتجلى أولاً على المستوى الجغرافي، إذ يغطي المنطقة العربية بأكملها، كما يتجلّى ثانياً على صعيد المحتوى، فالكتاب الذي يمتد على 400 صفحة ونيّف، يَزخر بكمٍّ هائل من المعلومات والإحصاءات والبيانات.
موضحاً أنّ المؤسسة نشرت هذا الكتابَ بنسختين، عربية وإنجليزية.لكنّها لم تترجمه، بل أصدرت كتابين، يتناولان الموضوع نفسه، ويلتقيان حول مجموعة من القواسم المشتركة، ولكنهما يختلفان عنواناً ومضموناً.
وبمناسبة تزامن انعقاد الندوة في 29 نوفمبر مع اليوم العالَمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ختم العَويط بتوجيه التحيّة إلى علماء فلسطين وإنجازاتهم المضيئة. واختُتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة وزيرة الثقافة السيدة هيفاء النجّار، فأكدت أن المشكلة لا تتعلق بالبحث، وإنما في موثوقية المصادر وصدقيتها، وقد كان لهذا الأثر الكبير على خلخلة مفهوم الثقافة وتحول أدوارها ومكانتها. وشدّدت على أن الثقافة بالمعنى العام لم تعد مجرّد مفردة عائمة وهامشية، بل تمثل قطاعاً إنتاجياً يُسهم في التنمية، ويمثل رافعةً للإنتاج القومي، والحديث عن الثقافة يتصل بالعنوان الرئيس للكتاب، وهو ينطوي على سؤال في الوقت نفسه، إذ كيف للعرب أن يتجاوزوا تحديات التحول نحو المعرفة والابتكار؟ بعدها أقيمت جلسة حوارية أدارها الأمين العامّ للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا البروفيسور ضياء الدّين عرفة، فأكد على ارتباط نوعية الحياة ورفع مستوى المعيشة بالمعرفة ومصادرها العلمية والتكنولوجية بوجه خاص، وبإستراتيجيات البحوث المستقبلية وتمويلها، موضحاً أن الكتاب هو حصيلة مراجع وتقارير عدة فاقت المئتين من صُناع القرار والعلماء والمُفكرين والمثقفين والباحثين، فكان بلا شكّ مصدراً متدفقاً للمعرفة، ودق ناقوسَ الخطر باستعراضه بعض الأرقام والإحصائيات الدقيقة.
ورأى الدكتور عبدالله الزعبي أستاذ الهندسة الكهربائية والإلكترونية في جامعة الأميرة سميّة للتكنولوجيا، ومؤسس الرابطة الدولية للتعليم الإلكتروني أن الكتاب يصل إلى نتيجة واضحة مفادها أن أداء البلدان العربية ما زال دون المستوى الذي يؤهّلها للتحول نحو اقتصادات ومجتمعات معرفية، كما يؤكّد الكتاب على نقطة في غاية الأهمّية تتعلق بتنبيه الدول العربية كي لا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها في حقبة الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي، عندما استثمرت ثرواتها الباطنية وخبراتها الفنّية والإدارية عبر شركات الدول المتقدّمة، التي جنت جلّ ثمار الثروات العربية.
وركز الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية الدكتور عمرو عزت سلامة، على أهمية الإعلام العلمي، ورأى أن الإعلام العربي لم يتم إعداده للقيام بمهامه المطلوبة، إذ لا بد أن يصبح العلم ثقافة وأن يتم العمل على تبسيط العلوم. وأكد على ضرورة تشجيع الشباب على التخصص في الإعلام العلمي، وفتح أقسام للصحافة العلمية، وتخصيص برامج تلفزيونية ودعم المؤسسات العاملة في مجال البحث والتطوير، وحث الأساتذة على المشاركة في تحرير مقالات علمية في الصحف والمجلّات المتخصّصة.
من جهته أكّد المستشار العلمي لمجلس التفاهم العالمي لقادة الدول الدكتور منيف الزعبي، على بروز الحاجة تاريخياً إلى ضرورة الاهتمام بمنظومات العلوم والتكنولوجيا والابتكار الوطنية، لما لها من دَورٍ مفصلي في تحقيق التنمية المُستدامة، وبناء اقتصادٍ متين، والتصدّي للمشكلات العالمية التي تحتاج إلى حلول علمية. واعتبر أنه من الحكمة أن يتوجه العالَم إلى «العلم والتضامن” على الأقل لمكافحة انتشار»المعلومات الخاطئة علمياً” والمتعلقة بالوباء.
بعدها جرى حوار بين الحضور وأحد مؤلفي الكتاب البروفيسور معين حمزة، فأوضح أن الكتاب عالج عشرات المحاور المتكاملة، واعتمد منهج الوصول إلى رؤية استشرافية دون السقوط في فخ التوصيات الجافّة، كما استند إلى المعطيات الرقمية الموثوقة. وختم بالتفاتة خاصّة إلى الأردن معتبراً أنّه خلال عقدين من الزمن، احتل الأردن مواقع واعدة في منظومة المعرفة والبحوث والابتكار، وقد تمّ تصنيفه في العديد من المؤشّرات النوعية ضمن المجموعة الثانية التي تضم الكويت ولبنان وتونس والمغرب. وأكد أن هذا التقدم يشكل فرصة ذهبية تستحق العناية والدعم بتوفير موارد مالية هامّة من القطاع الخاصّ النشط، ومن برامج التعاون الدولية.