التداعيات الداخلية لمشاركة القائمة الموحدة في الحكومة الإسرائيلية..رغدة عواد

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج “التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات” – الدورة السابعة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدمة

وقعَّت القائمة العربية الموحدة، برئاسة النائب منصور عباس، بعد انشقاقها عن القائمة المشتركة في انتخابات آذار/مارس 2021، اتفاقية ثنائية مع حزب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد كجزء من اتفاقية الائتلاف الحكومي التي سعت للإطاحة ببنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، وقد انضمت “الموحدة” بموجبها إلى الحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينيت، رئيس حزب “يمينا”.

يعدّ هذا الأمر حدثًا تاريخيًا في السياسة العربية في إسرائيل، وتغييرًا في المشهد السياسي الإسرائيلي، إذ لم يسبق أن كان أيّ حزب عربي جزءًا من الحكومة الإسرائيلية. وهذا، يطرح تساؤلاً حول كيفية تأثير وجود القائمة الموحدة في الحكومة الإسرائيلية، على الأوضاع السياسية الداخلية المتعلقة بالفلسطينيين في إسرائيل، وخاصة أن الحكومة يرأسها بينيت، المعروف بسياساته العنصرية والتحريضية تجاه فلسطينيي 48، وبدعمه لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وشرعنة الاحتلال.

اتفاق: معيقات وفرص

تأتي مشاركة القائمة الموحدة في الحكومة الإسرائيلية كقضية إشكالية من حيث المبدأ، خاصة لما يتضمنه خطاب القائمة ونهجها الجديد الذي تدعيه، على ضرورة الفصل بين القضايا المدنية (الاقتصادي الاجتماعي) والقضايا القومية (السياسي الوطني)، الأمر الذي انعكس على تغييب القضية الفلسطينية من بنود الاتفاقية الموقعة، وعدم التطرق إلى تلمسألة الفلسطينية على الإطلاق، وهذا الأمر يعد بمنزلة تنازل عن المطالب السياسية للفلسطينيين، وتأييد للواقع الاستعماري الصهيوني القائم، وتجاهل لحقيقة استهداف الفلسطينيّ بسبب قوميته المتناقضة مع جوهر الدولة “اليهوديّة” وهويتها، وليس بسبب سياسات تتعمد تهميش الفلسطيني والتمييز ضده وممارسة العنصرية بحقه.

على الرغم من الأهمية التي تظهر من بنود الاتفاقية الموقعة التي تتطرق إلى أهم القضايا التي يعاني منها فلسطينيو 48، والتي تعني معالجتها تسيير حياتهم وتحسين ظروفها، إلا أن هنالك الكثير من المعيقات التي تقف أمام إمكانية تحقيق هذه البنود على أرض الواقع وتطبيقها بالفعل، لذا يجب التمهل وعدم التسرع في إطراء هذه المشاركة والنظر إليها كبداية تغيير في سياسات حكومة إسرائيل تجاه فلسطينيي 48، خاصة أن الميزانيّات لم تكن يومًا الأزمة الحقيقيّة في علاقة الفلسطينيّ بالـ”دولة اليهوديّة”.

ومن بين هذه المعوقات تركيبة الحكومة المتناقضة، التي اجتمعت مركباتها في الأساس من أجل هدف واحد، وهو الإطاحة بنتنياهو وحكمه؛ لذلك فإن احتمال استمراريتها ضئيل جدًا، كما أن إلزام أي حكومة قادمة بتبني هذه الاتفاقية أمر غير وارد، لا سيما أن الحديث عن خطط يحتاج تطبيقها إلى سنوات طويلة، الأمر الذي من شأنه إعاقة تطبيقها مع تبدل الحكومات.

كما أن منطق السياسات الإسرائيلية الاستعماري الذي ينظر إلى العربي في إسرائيل كعدو ومواطن من الدرجة الأخيرة في سلم المواطنة الإسرائيلية، هو الذي يحرك الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، ويجعل من تطبيق بنود هذه الاتفاقية شبه مستحيل.[1]

وأمام هذه المعيقات هناك فرص يمكنها أن تضمن تحقيق بنود الاتفاقية، أهمها مصلحة المستوى السياسي والأمني في إسرائيل بتعزيز النهج الجديد، نهج القائمة الموحدة، والمحافظة عليه في المجتمع العربي، ونزع الطابع الوطني عن أهداف الأحزاب العربية، خاصة بعد الأحداث التي اندلعت في أراضي 48 في أيار/مايو 2021، على خلفية اقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على العائلات في الشيخ جراح والقصف على غزة، وبالطبع إضعاف الخطاب السياسي الوطني التي تمثله القائمة المشتركة، الأمر الذي من شأنه زيادة احتمالية تطبيق بعض البنود في الاتفاقية.

الموازانة .. وعد لم يتحقق

لعل أهم بند في الاتفاقية الذي يدلل على مدى صدق وعود الائتلاف من عدمها في تحسين الأحوال الداخلية للفلسطينيين في الداخل، البند الذي يتطرق إلى تخصيص ميزانية بقيمة 30 مليار شيقل لصياغة خطة خماسية لتقليص الفجوات في المجتمع العربي، وميزانية مقدارها 2.5 مليار شيقل لصياغة خطة خماسية لمكافحة العنف والجريمة، وتبني خطة “خطوط أيالون” بمقدار 20 مليار شيقل للمواصلات العامة، وتحقيق تمثيل منصف للمجتمع العربي في الوظائف الحكومية، إضافة إلى البنود التي تتطرق إلى أزمة السكن والبناء، والتي تضمن تحسين الخطط الحكومية المتعلقة بالتخطيط والسكن، ورفع عدد الوحدات السكنية بمعدل 10 آلاف وحدة سكنية في السنة، والعمل على إزالة العقبات التخطيطية والبيروقراطية لتراخيص البناء، وإلغاء المخالفات التي أعطيت للعرب فيما يتعلق بالبناء غير المرخص.[2]

مؤخرًا، أقرّت موازنة الدولة للعام 2021-2022، بعد فشل الحكومة لثلاث سنوات في إقرارها، واستغلّها نتنياهو بهدف تفكيك حكومته مع بيني غانتس، رئيس حزب “أرزق أبيض”. وعلى عكس كل التوقعات بتخصيص ميزانيات كبيرة للمجتمع العربي بسبب وعود القائمة الموحدة والبنود التي جاءت في اتفاقية الائتلاف، إلا أن النظر في بنود الموازنة يشير إلى عدم وجود تغيير جدي في السياسات الاقتصادية لحكومة بينيت عن سابقاتها تجاه المجتمع العربي، الذي من شأنه إحداث تغيير بنيوي في الاقتصاد.

لم تتطرق الخطة مثلًا إلى بناء مناطق صناعية في البلدات العربية أو تحسين البنى التحتية وتطوير المواصلات، كما أن الميزانيات التي خصصت للسلطات المحلية هي بالأساس مبالغ مخصصة للمصروفات العامة في ميزانية أيّ سلطة محلية، أي أن الحديث ليس عن ميزانيات إضافية بفضل الاتفاقية الائتلافية، وإنما ميزانيات ضمن موازنة الوزارات المخصصة للمجتمع العربي.[3] وتحصيلها من الوزارات بشكل فعلي ليس بالسهل أبدًا، وتبقى هذه الميزانيات مجرد أرقام على ورق طالما لم تحصّل حقًا.

تشكّل موازنة الدولة مؤشرًا مهمًا حول جدية الحكومة في تنفيذ وعودها واتفاقيتها مع القائمة الموحدة، ويتضح منها أن التنازل المبدئي الذي قامت به القائمة فيما يتعلق بالقضايا الوطنية من أجل تحصيل حقوق مدنية لم يتم تحصيل أي إنجازات خاصة وميزانيات إضافية مقابله كما ادعت ووعدت. وحتى الآن يبدو أن القائمة لم تنجح في تحقيق أيّ إنجاز أو تحصيل حقوق خاصة في هذه الحكومة طالما فشلت في تحصيل ميزانيات إضافية – إحدى الشروط التي كانت ضمن الاتفاقية الموقعة – وبالتالي تحصيلها من المفترض أسهل من غيرها من المطالب.

تداعيات .. تنازلات

إن استمرارية وجود النائب عباس في الحكومة الإسرائيلية هو أمر مؤكد إلا إذا أُخرج منها عند توفر بديل عنه، لأسباب عديدة تتعلق بالوعود التي قدمها لناخبيه، والخوف من تداعيات خطوة كهذه على مكانة قائمته، وبسبب الرهان العالي في ألا يمر نسبة الحسم.[4] هذا بصرف النظر عن ما قد يبدر من هذه الحكومة من سياسات عنصرية أو اتساع للاستيطان والاحتلال، فما بدر منها حتى اليوم، وبالرغم من مدتها القصيرة، لا يبدي أيّ بوادر لسياسات حكومية تختلف عن سابقتها اليمينية، والأمر لم يحرك ساكنًا لدى القائمة الموحدة، ولم يغير موقف النائب عباس من هذه الحكومة ومشاركته فيها، على العكس، رأيناه يدعم بكل قوة استمراريتها حتى عندما كلفه الأمر، كما شهدنا، التصويت مع تمديد قانون المواطنة العنصري، ويسير متمسكًا بنهجه الجديد دون أن تشكل الأحداث الأخيرة ومواقف الحكومة أي علامة فارقة في موقفه أو نهجه.

شهدنا بعد تشكيل الحكومة السماح بإقامة مسيرة الأعلام الاستفزازية في القدس، وتصعيد الانتهاكات الممارسة من قبل شرطة الاحتلال في الشيخ جرّاح، واستمرار القصف على غزة، وشنّ حملة اعتقالات في الداخل على خلفية المظاهرات، إضافة إلى شرعنة بؤرة “أبيتار” الاستيطانية على جبل صبيح، والتصويت على تمديد قانون المواطنة، وقرار خصم أموال الضرائب الفلسطينية، وجميعها تمت دون أن تشكل أي علامة فارقة في موقف النائب عباس من الحكومة والمشاركة فيها، وجميعها كانت كافية لتؤكد عدم دقة الادعاءات التي سوّقها في حملته الإعلامية حول إمكانية الفصل بين القضايا المدنية والقومية.

إن ما نشهده من مواقف مؤخرة للقائمة الموحدة لا تدعم مواقف حكومة إسرائيل اليمينية والاحتلال فقط، وإنما تتعارض مع القوانين والأعراف الدولية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، ما يشير إلى خطورة حقيقية تهدد حقوق المجتمع الفلسطيني في الداخل. فقد تم تمرير قانون محاكمة الأسرى والمعتقلين عبر الفيديو وعدم إحضارهم إلى المحاكم بفضل صوت النائب وليد طه عن القائمة.[5] فالحديث هنا عن قانون يخالف القانون الدولي الإنساني كونه يمس حق الأسرى في محاكمة عادلة، ويحرمهم من رؤية عائلاتهم. وكذلك تصريح النائب عباس حول موقفه من القصف على غزة حينما قال إن هذا الأمر لا يعنيه، ولم يتحدث بخصوصه مع رئيس الحكومة، لأنه منشغل بالقضايا المدنية للمجتمع العربي والمجتمع الإسرائيلي عامةً.[6] والأزمة في هذا الأمر أن أن القائمة الموحدة لا تمثل نفسها فقط في هذه الحالة، وإنما جمهور ناخبيها من فلسطينيي 48.

تداعيات .. ضعف وانقسام

ستكون جميع السياسات والممارسات التي ستقوم بها الحكومة هذه المرة بدعم من القائمة الموحدة، بشكل صريح ومباشر، أو بالسكوت عنها والسماح بها مقابل تحصيل فُتات حقوق مدنية، وبالتالي أيّ ادعاء حول سياسات الحكومة العنصرية في ظل القائمة الموحدة ضمن الائتلاف سيشكل نقطة ضعف كبيرة لها، بادعاء أن القرارات الحكومية هذه المرّة اتخذت ونفذت بينما يجلس في الحكومة أعضاء كنيست عرب، الأمر الذي يضعف موقف الفلسطينيين ويؤثر على انتزاع حقوقهم ومطالبهم السياسية، كما يمنح نوعًا من أنواع الشرعيّة للسياسات التمييزية.

لا شك أن وجود القائمة الموحدة في الحكومة يشكل قفزة، وفيها تتحمّل “الموحدة” المسؤولية عن السياسات التي ستتبعها هذه الحكومة بحق فلسطينيي 48، وسياساتها الاستعماريّة.

اللافت للنظر أن خلال الأشهر الأولى للحكومة، بدأت تتولد صدامات كبيرة بين النوَاب العرب نتيجة النهج الذي تتبعه “الموحدة”، الذي يمس بالأوضاع السياسية لفلسطينيي 48، من بينها تصويت “الموحدة” ضد اقتراح تشكيل لجنة تحقيق ضد جرائم الشرطة بحق المواطنين الفلسطينيين الذي طرحه النائب أيمن عودة عن القائمة المشتركة، من أجل تصفية حسابات شخصية مع “المشتركة”، مما يعني أن انفصال “الموحدة” عن الأحزاب الأخرى ووجودها في الائتلاف الحكومي يشكل عائقًا أمام طرح ودعم قضايا تخص المجتمع الفلسطيني في الداخل.

ليس هذا فحسب، بل إن الصدام بين أعضاء “المشتركة” و”الموحدة” يمس بمعالجة قضايا المجتمع الفلسطيني في الداخل وتحسين ظروفه، ويعمق الصدع في السياسة العربية ويشد الصراع بين الأحزاب العربية. صراع من شأنه إضعاف السياسة العربية في الداخل وتمكين الأحزاب اليهودية مقابل ذلك.[7]

خاتمة

تدل مواقف القائمة العربية الموحدة على أن وجودها في الحكومة الإسرائيلية يؤثر سلبًا على أوضاع الفلسطينيين في الداخل، ولا يحقق أي جديد على مستوى انتزاع حقوقهم، وتحقيق مطالبهم السياسية، بل قد تؤدي إلى حالة من الضعف في مطالبهم ونيلها.

وعليه، فإن تخوفات فلسطينيي 48 من هذه المشاركة مشروعة، لأن مزيدًا من التنازلات يعني المس في جوهر حياتهم، خاصة أن كل المؤشرات تفضي إلى أنه من غير المستبعد تقديم تنازلات قد تدعم قوانين عنصرية تميّز ضدهم وتضر بمصالحهم، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى مزيد من التفكك الداخلي للمجتمع، وشرخ سياسي بين الأحزاب العربية.

الهوامش

** ما يرد في هذه الورقة من آراء تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] “القائمة العربية الموحدة” في الحكومة الإسرائيلية الجديدة: فرص ومعيقات، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 2/7/2021: bit.ly/3G3JeZp

[2] اتفاق ائتلافي لتشكيل حكومة وحدة بين كتلة “هناك مستقبل” و”كتلة القائمة العربية الموحدة”، الكنيست الإسرائيلي، 2/6/2021: https://bit.ly/3d54C3L

[3] هل تحمل ميزانية العامين 2021-2022 تغييرًا في السياسات الاقتصادية للمجتمع العربي؟، مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة، آب/أغسطس 2021: bit.ly/3rjrqoL

[4] القائمة العربية الموحدة في إسرائيل: النهج السياسي الجديد وسيناريوهات المستقبل، مركز الإمارات للسياسات، 23/6/2021: bit.ly/3xCtMAa

[5] تمرير قانون محاكمة الأسرى عبر الفيديو، صحيفة الاتحاد، 5/7/2021: bit.ly/3d1zZfw

[6] منصور عباس: إذا لم يردوا في غزة فهذا قرار بينيت، القناة 12 الإسرائيلية، 12/8/2021: bit.ly/32MlY3G

[7] سامي سموحة، الأسباب والتأثيرات لمشاركة حزب عربي في الائتلاف الحكومي، مركز أبحاث الأمن القومي، 9/8/2021: bit.ly/3EbhT74