منذ لحظة مجيئه للدنيا فتح عينيه فلم يجد أبيه، فهو يتيم الأب رغم كون والده على قيد الحياة، حيث تخلى عن نجله وعن بناته وزوجته، ليتركهم وحدهم ويعيش بعيدَا عنهم، ليصبح الطفل رجل والدته وأختيه البنتين وعكازهن في الحياة، فيحمل المسئولية مبكرَا ويكون هو رب الأسرة منذ كان في الصف السادس الابتدائي، مضحيَا بمستقبله التعليمي رغم تفوقه وحبه للتعليم والدراسة، وعن حلمه في أن يصبح لاعب كرة القدم، من أجل أسرته.
محمد رجب محمد، من مواليد حلوان، عمره 20 عامَا، بدأ تولي مسئولية أسرته المكونة من أمه وشقيقتيه منذ نعومة أظافره، ليعمل على عربة ميكروباص، تباعا يجمع الأجرة من الركاب، وعن بلوغه للصف الثاني الإعدادي، بدأ مشواره المهني في عالم المقاولات والتسليح الخرساني، فكان يعود من عمله الشاق ليفتح كتبه ليذاكر ما عليه من مواد تعليمية.
«محمد» كان يحلم أن يكون طبيبَا في يوم من الأيام، لكن ظروف أسرته البسيطة ومسئوليته تجاه والدته، جعلت من الدروس الخصوصية ومصروفات الثانوية العامة شعبة العلمي علوم، جبلا يحول بينه وبين حلمه، فاضطر إلى دخول الشعبة الأدبية معتمدَا على ذاته ومجهود مذاكرته قبيل الامتحانات بأيام قليلة؛ لأنه كان يفرغ نفسه دائمَا من أجل العمل ليلا ونهارا لمساعدة والدته وأختيه ليحصل على مجموع 62% في الثانوية العامة، «كان هيجيلي سكتة قلبية ساعتها»، بهذه الكلمات عبر بها عن حزنه لمجموعه الدراسي، لكن الناس لم تتركه فكانوا دائمَا يقدمون إليه النصيحة والدعم، لأنه متحملاَ أعباء وتكاليف أسرته.
عند دخوله الجامعة حرم نفسه من الطعام والشراب موفرَا لنقوده لأسرته، قائلا في حديثه مع «»، «كنت بشتري بجنيه لبان، 3 لبانات أكلهم من الفجر لحد ما أرجع بيتنا في العشا.. بطني كانت بتبقا لازقة في ضهري»، موضحَا أنه إذا شعر بتعب أو مرض يقوم بإخفاء ذلك عن والدته حتى لا تحزن عليه.
تعلق شديد لمحمد بوالدته، فهو لم يرى لها مثيلا وفخورا بكونها أنفقت عمرها في سبيله هو وأخوته، «جوزت أخواتي البنات وسترتهم»، لكن بقروض من البنوك، فالشاب العشريني الآن هو من يقوم بتسديد هذه الديون والأقساط حتى الآن، قائلا: «خلاص هانت كلها 6 سنين والقسط يخلص».
ينتقل الشاب العشريني في حديثه ليعبر عما بداخله عما رآه من تنمر وذل من الناس في الشارع، «الناس بتقعد تقولنا روحوا لأبوكوا اللي سابكوا.. روحوا شوفوا أبوكوا»، معربَا عن حزنه بكونه في الدنيا بمفرده بدون سند، فهو لم يعرف أباه؛ لأنه لم يره من قبل «أنا لو شوفته مش هعرفه.. أبويا بالنسبالي ميت».
تحدث «محمد»، عن موهبته الكروية وعن حلمه ليصبح لاعبّا لكرة القدم، لكنه لم يمتلك المال ليذهب يوميَا للتمرين، «لو روحت التمرين كنت بروح بهدوم مقطعة من الفقر اللي أنا فيه»، فحلم حياته أن يكون لاعبَا في النادي الأهلي، لأن والدته تتمنى له ذلك، مختتمَا حديثه، «نفسي أمي تروح تحج».