(بي بي سي):
في مثل هذا الوقت من ديسمبر من عام 1941 وُلد الرياضي الأسترالي ريغ سبيرز الذي شارك في منافسات رمي الرمح في دورة ألعاب الكومنوولث في عام 1962 ولكنه اشتهر بأمر آخر بعيد عن الرياضة إذ أقدم على عمل فريد من نوعه فهو الرجل الذي شحن نفسه من بريطانيا إلى أستراليا في صندوق.
فما هي قصة ريغ سبيرز؟
وجد الرياضي الأسترالي ريغ سبيرز نفسه عالقا في العاصمة البريطانية لندن في منتصف الستينيات من القرن الماضي وليس لديه مال لشراء تذكرة طائرة للعودة إلى وطنه أستراليا، وفي محاولة يائسة للعودة في الوقت المناسب لحضور عيد ميلاد ابنته قرر أن يضع نفسه في صندوق خشبي.
وكانت قصة سبيرز قد أثارت عاصفة عاصفة إعلامية في أستراليا في ذلك الوقت.
ويشرح سبيرز موقفه قائلا: “لقد توصلت إلى هذا المخطط المجنون للعودة إلى أستراليا في صندوق، من يستطيع أن يقول أنه لن ينجح؟ دعنا نعطي ذلك المخطط فرصته”.
وكان سبيرز قد ذهب إلى المملكة المتحدة لمحاولة التعافي من إصابة عطلت مسيرته في ألعاب القوى. لقد كان رامياً واعداً للرمح، وكان في طريقه للمنافسة في أولمبياد طوكيو عام 1964.
ولكن عندما أصبح واضحا أنه لن يشارك في أولمبياد طوكيو، قرر سبيرز جمع أموال كافية للعودة إلى أستراليا، وتولى وظيفة في المطار لكسب بعض المال.
لكن خططه تغيرت عندما سُرقت محفظته التي تحتوي على كل مدخراته. ومع عودة زوجته وابنته إلى أستراليا، أراد سبيرز اللحاق بهما في أديليد، ولكن “كانت هناك مشكلة واحدة وهي أنه لم يكن لديه أي نقود”.
ومع اقتراب عيد ميلاد ابنته كان في عجلة من أمره.
وقال سبيرز: “لقد عملت في قسم شحن الصادرات لذلك كنت أعرف عن مسألة الدفع نقدا عند تسليم الشحنة، لقد رأيت الحيوانات تأتي طوال الوقت وفكرت..إذا كان بإمكانهم القيام بذلك فإنه يمكنني القيام بذلك أيضا”.
وعرف سبيرز أيضا الحجم الأقصى للصندوق الذي يمكن إرساله عن طريق الشحن الجوي. وكان يقيم مع صديقه جون مكسورلي في لندن، وقد أقنع صديقه بصناعة صندوق يمكنه أن يرسل نفسه فيه إلى وطنه.
ويقول مكسورلي: “كنت أعرف ريغ وفكرت أنه سوف يفعل ذلك سواء ساعدته أم لا، فإذا كان سيفعل ذلك، فمن الأفضل أن أجعله صندوقا يوصله على الأقل إلى هناك”.
وصُمم الصندوق وفقا لمواصفات سبيرز حيث سمح له بالجلوس مستقيما أو الاستلقاء على ظهره مع ثني ركبتيه، وتم تثبيت طرفي الصندوق في مكانه بواسطة مزالق خشبية تعمل من الداخل حتى يتمكن سبيرز من السماح لنفسه بالخروج من أي من الطرفين، كما كان الصندوق مزودا بأشرطة تم تثبيتها فيه كي يتمكن سبيرز من تثيبت نفسه في مكانه أثناء تحميل الصندوق وإنزاله.
ولتجنب أي شك في وجود شخص بالداخل، تم تصنيف الصندوق على أنه حمولة من الطلاء وتم توجيهه إلى شركة أحذية أسترالية وهمية.
على الرغم من أن تكلفة إرسال مثل هذه الشحنة الكبيرة أكبر في قيمتها من ثمن مقعد لراكب في طائرة، إلا أن سبيرز كان يعلم أنه يمكن أن يشحن نفسه مقابل الدفع نقدا عند التسليم، وثم لا يقلق إلا بشأن كيفية دفع الرسوم بمجرد وصوله إلى أستراليا.
وهكذا تم شحن سبيرز في الصندوق، مع بعض الأطعمة المعلبة ومصباح يدوي وبطانية ووسادة بالإضافة إلى زجاجتين بلاستيكيتين واحدة للمياه والأخرى للبول، على متن طائرة تابعة لشركة طيران الهند متجهة إلى بيرث في غرب أستراليا.
وعلى الرغم من أن سبيرز أراد في نهاية المطاف الوصول إلى أديليد فقد تم اختيار بيرث لأنه كان مطارا أصغر.
لقد تحمل سبيرز تأخيرا لمدة 24 ساعة في مطار لندن بسبب الضباب وبدأ بالخروج من الصندوق بمجرد تحليق الطائرة في الجو.
ويقول سبيرز: “خرجت من الصندوق خلال الرحلة بين لندن والعاصمة الفرنسية باريس حيث تبولت في علبة ووضعتها فوق الصندوق، وكنت أمد ساقي وفجأة، لأنها مسافة قصيرة، بدأت الطائرة في الهبوط، فقفزت مفزوعا مرة أخرى في الصندوق بينما كانت العلبة المليئة بالبول مازالت عليه”.
وقد اعتقد عمال الأمتعة الفرنسيون في باريس أن محتويات العلبة البغيضة قد تُركت لهم كمزحة ثقيلة من قبل نظرائهم في لندن.
ويقول سبيرز: “قالوا بعض الأشياء الفظيعة عن الإنجليز، لكنهم لم يفكروا حتى في الصندوق لذلك واصلت المضي قدما في رحلتي”.
وكانت المحطة التالية في رحلة العودة الطويلة إلى أستراليا في مدينة بومباي (مومباي) في الهند حيث أوقف عمال الحقائب سبيرز، مقلوبا رأسا على عقب، في وهج الشمس لمدة 4 ساعات.
وقال سبيرز: “كان الجو في بومباي حارا، كان مثل الجحيم لذلك خلعت كل ملابسي، كان الأمر سيصبح مضحكا لو وجدوني في تلك الحال؟”.
وأضاف قائلا:”كنت على مدرج المطار بينما كانوا ينقلونني من طائرة إلى أخرى، كنت مربوطا لكن قدمي مرفوعتان في الهواء، كنت أتعرق مثل خنزير ولكن لا استسلام، لقد تحليت بالصبر، وفي النهاية جاؤوا وأخذوني ووضعوني على متن طائرة أخرى “.
وعندما حطت الطائرة أخيرا في بيرث في أستراليا، فُتح عنبر الشحن حيث سمع سبيرز عمال الحقائب الأستراليين وهم يسبون ويطلقون شتائم فظيعة بسبب حجم الصندوق الذي كان بداخله. وعرف على الفور أنه في أستراليا.
وقال سبيرز: “اللكنة، كيف يمكن أن تفوتك؟ أنا على الأرض، مذهل، رائع، لقد فعلتها”.
وأضاف قائلا: “كنت أبتسم ابتسامة عريضة من الأذن إلى الأذن، لكنني لم أكن لأخبرهم أنني هنا الآن لقد كدت أن أفعلها، كنت أعرف أنهم سيأخذون الصندوق إلى مبنى مخزن البضائع، وعندما وضعوني في المخزن خرجت على الفور، وكانت هناك علب من الجعة وأنا عادة لا أشرب، ولكني أخذت علبة من الجعة وشربتها”.
لقد نجا سبيرز من السفر لمدة 3 أيام في الصندوق الخشبي، لكنه كان ما يزال يواجه تحدي الخروج من المطار، غير أن حظه الحسن استمر.
وقال سبيرز: “كانت هناك بعض الأدوات في مخزن البضائع، لذلك قمت فوراً بإحداث ثقب في الحائط وخرجت ولم يكن هناك أمن فارتديت بدلة من حقيبتي لذلك بدوت رائعا ثم قفزت عبر نافذة وخرجت إلى الشارع حيث وجدت من يوصلني إلى المدينة، لقد كان الأمر بسيطا للغاية”.
ولكن بالعودة إلى إنجلترا، كان جون مكسورلي، الذي صنع الصندوق وسلم سبيرز إلى المطار، قلقا للغاية بشأن صديقه.
وقد شق سبيرز طريقه عائدا إلى عائلته في أديليد، لكنه أهمل إخبار مكسورلي أنه قد وصل بسلام إلى أرض الوطن.
وفي محاولة لمعرفة ما حدث لصديقه، نبه مكسورلي وسائل الإعلام للأمر، وسرعان ما أثار سبيرز ضجة كبيرة في وطنه.
وقال سبيرز: “لقد تلقيت برقية من سياسي أسترالي مشهور ونصها: جهد شجاع من قبل أسترالي حقيقي، وهذه 5 جنيهات، لقد كان ذلك رائعا “.
وفي النهاية لم ترغمه شركة الطيران على دفع رسوم الشحن. لكن سبيرز يعترف بأنه فوجئ بالتغطية الإعلامية لمغامرته.
وقال سبيرز: “لم أر شيئا كهذا من قبل، لقد خافت والدتي بشدة مع إغلاق الشارع بأكمله من قبل وسائل الإعلام، وقد استمر الأمر لأسابيع”.
لقد نجح سبيرز في العودة في الوقت المناسب لحضور عيد ميلاد ابنته، لكن لا يزال لديه مهمة إقناع زوجته بأن قصته حقيقية.
وقال: “إنها في البداية لم تصدقني، ولكن بعد ذلك فكرت في الأمر، لا بد أنه فعل ذلك، وإلا فإنه كيف وصل إلى هنا؟”.
مصدر إلهام
وقد ألهمت قصة سبيرز شابا بريطانيا صغيرا هاجر إلى أستراليا فأقدم على نفس المغامرة في الاتجاه العكسي وكان أقل حظا من نظيره الأسترالي.
فلم يكن الشاب برايان روبسون البالغ من العمر 19 عاما والذي هاجر من كارديف في ويلز إلى أستراليا لديه ثمن تذكرة العودة عندما أدرك خطأ قراره بالهجرة حيث لم يستطع التكيف مع الحياة في أستراليا.
وقد صنع روبسون مع صديقين صندوقا به مساحة كافية له ولحقيبة سفره وحمل معه وسادة، ومصباحا، وزجاجة مياه، وزجاجة فارغة للتبول، ومطرقة صغيرة لفتح الصندوق بالقوة بمجرد وصوله إلى وجهته لندن.
وقد أغلق صديقاه الصندوق وشحناه على متن خطوط كانتاس الجوية من ملبورن إلى لندن باعتباره كمبيوتر مُرسل إلى العاصمة البريطانية للصيانة.
لكن خطتهم فشلت حيث كانت الرحلة المباشرة إلى لندن ممتلئة لذلك شُحن صندوقه على متن خطوط بان أميريكان الجوية إلى لوس أنجلوس ومنها بعد ذلك إلى لندن.
وقال روبسون: “استغرقت هذه الرحلة حوالي 5 أيام، وكان الألم لا يطاق وقضيت 22 ساعة مقلوبا رأسا على عقب ولم أستطع التنفس بشكل صحيح وكنت أغيب عن الوعي”.
وأضاف قائلا إنه شعر في وقت من الأوقات أنه سيموت وحينها تمنى أن يحدث ذلك بسرعة.
وعندما وصلت الطائرة إلى وجهتها عثر عليه عمال الحقائب في الولايات المتحدة واعتقدوا أنه جثة.
لكن بعد التأكد أنه على قيد الحياة تم نقله إلى المستشفى، وهنا علمت وسائل الإعلام بقصته.
وقد رتبت شركة بان أمريكان العالمية عودته إلى لندن.
ويقول المطلعون على صناعة الطيران إن شيئا كقصة سبيرز أو روبسون لا يمكن أن يحدث الآن حيث أن البضائع عادة ما تكون في درجة حرارة أعلى من درجة التجمد كما يتم فحص جميع البضائع المحملة على الطائرات لأسباب أمنية مما سيؤدي إلى العثور على أي شخص يحاول الاختفاء.
ماذا حدث لسبيرز بعد ذلك؟
اختفى ريغ سبيرز من أديليد في عام 1981 بعد اتهامه بالتآمر لجلب الكوكايين
قُبض عليه في سريلانكا عام 1984 وحُكم عليه بالإعدام لارتكابه جرائم تتعلق بالمخدرات
استأنف الحكم بنجاح وأمضى 5 سنوات في السجن في أستراليا