ما حدث من بدايات نشوء القضية الفلسطينية وكل العوامل التي سيقت لحدوث هذا النشوء، إعتمد الإستعمار على خلق الظروف والعوامل التي تمنع من مواجهة مشروع إقامة الكيان(فارتبط وجود الكيان بنشوء القضية الفلسطينية)، وتم الإعتماد لتحقيق ذلك على ثلاث محاور، الأول تفرقة المجتمع الفلسطيني ومنعه من بناء قدرات ذاتية وموضوعية كفيلة بالتصدي للأحتلال، والثاني تشتيت الإجماع العربي وخلق حلفاء باطنيين ومرتبطين بفكرة الإستعمار كهدف يحقق مصالح لجهات التحالف، والثالث تقديم رواية كمبررات لكل فعل استعماري، والإستيلاء على الكل وفتح باب المفاوضة على الجزء، ولعل هذا النهج مازال قائما ومعتمدا من قبل الإحتلال وأدوات رعايته الإستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل تلك الظروف بالنتائج تعود اليوم بنفس الوسائل والأساليب نظرا إلى ان هذا المنهج المتبع من قبل الإستعمار ودولة الإحتلال يتعامل مع عقلية إجتماعية وثقافية وسياسية مازالت أصولها ومنابع الواقعية والخيالية للمستقبل فيها لا تستطيع بناء رؤية لمشروع مواجهة شامل يحقق اهداف تحقيق الأمن والسلام لهذه الأمة ومقدراتها.
واليوم بكل مشاهده وظروفه ومكوناته السياسية والموضوعية لا يختلف عما حدث في العام 1948 وليس هذا رأي نطلقه من باب تزليف التوصيف، بل هناك من العوامل الموضوعية المرتبطة بالواقع وبالإستراتيجية الإستعمارية لدولة الإحتلال ما يدلل على ذلك ، ولعل المرحلة الحالية بكل أبعادها مبعوثة من تلك اللحظة التي عمل شارون على صياغة تلك الإستراتيجية بنقل دولة الإحتلال من مطالبتها بدفع استحقاق فِعلي للتسوية والسلام بالشرق الأوسط إلى التوجه نحو ممارسة دور النفوذ دون دفع أي استحقاق من الحقوق الفلسطينية بل وبالعكس ذهبت دولة الإحتلال لجني ثمار وجودها كقوة إستعمارية في المنطقة عبر تعزيزها لمحور علني تقوم بتقديم نفسها من خلاله كدولة طبيعية بالمنطقة في مواجهة عدو بديل (ايران) عن العداء للإحتلال ومهدد السلم والأمن بالمنطقة (دولة الإحتلال).
وإن هذا جاء عبر استراتيجية شارون التي خدمتها عدة عوامل (سأتطرق لها لاحقا)، ولم تكن تلك الإستراتيجية سوى ما حمله خطاب الأخير في مؤتمر هرتسيليا والذي صفق له الحاضرون طويلاً وهو يعلن ورقة اتفاقه الاستراتيجي مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن, والتي تتضمن: موافقة الولايات المتحدة على الخطط السياسية للاستراتيجية الإسرائيلية بالنسبة للتسوية مع الفلسطينيين بكل ما تتضمنه من لاءات للحقوق الوطنية الفلسطينية بالنسبة لحق العودة ومدينة القدس والانسحاب من كافة مناطق عام 1967 وكذلك من الاشتراط بالتواجد الأمني الإسرائيلي الدائم في منطقة غور الأردن وحق قوات الاحتلال في دخول أراضي هذه الدولة متى رأت ذلك مناسباً ورفض أية مظاهر سيادية لهذه الدولة ، وعدم إجبار إسرائيل على اتخاذ أية خطوة لا تريدها فيما يتعلق بالتسويات مع الفلسطينيين أو العرب و موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على الخطوط العامة الإسرائيلية للتسوية و تفهم واشنطن لكل ما يتطلبه الأمن الإسرائيلي، وإن هذه الإستراتيجية بكل ما تتضمنه هو إنهاء المسار المتعلق بالتسوية وإنهاء خيار حل الدوليتين عمليا وفعيا وواقعيا، لأن ما يتبقى من أرض بعد كل الضم الذي تسعى هذه الإستراتيجية لضمه لن يكون أي فلسطيني قادر أن يقول عنه سوى انه انتاج جديد للإحتلال.
ولعل هذا التفاهم الاسرائيلي الامريكي هو الذي دفع شارون في أعقاب لقاء القمة الذي عقده مع جورج بوش الأبن14/4/2004 للقول ” لقد قلت اننا سنوجه إليهم ضربة مميتة ولقد تلقوا بالفعل ضربة مميتة” ويقصد بذلك الفلسطينيين، وهذه الضربة التي قصدها أو أنه ذاهب باتجاه ترسيخها أنذاك هي:
– التخلص من اتفاق أوسلو(1993) وهي الإعتراف باسرائيل والذهاب لمرحلتين من الحل انتقالية لتثبيت السلطة ونقل صلاحيات ادارة الحكم العسكري الإحتلالي للسلطة الفلسطينية، ونهائية للوصول إلى حل في مجموع من القضايا الإستراتيجية التي تمثل الحدود والقدس واللاجئين ومظاهر السيادة للدولة الفلسطينية، والمبادرة العربية(2002) والتي قدمت التطبيع الكامل من قبل العرب مقابل إقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من حزيران من العام 1967، وخارطة الطريق (2003) والتي جاءت محمولة على بنود تفضي في العام 2005 إلى قيام دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، ويكون حتى ذلك التزامات على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين وينفذوها بالتوازي والتوالي تباعا للوصول إلى الهدوء الذي يسمح بانطلاق المفاوضات مرة أخرى(للخلاص من الانتافضة الفلسطينية الثانية).
وفي هذا السياق فإن شارون كان معارضا لإتفاق أوسلو ومعارضا للمبادرة العربية( وفي مقابلة له مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قبيل اعلان هذه المبادرة علق عليها وقال” إذا تحدثنا عن إنسحاب حتى حدود 1967 فإن ذلك سيقوض أسس قراري مجلس الأمن 242 و338 ، الذين تمسكت بهما جميع حكومات اسرائيل على أساس أنهما يعطيان لإسرائيل خيار الإحتفاظ بمناطق آمنة ………. والعودة إلى حدود 1967 ستدمر اسرائيل” وكذلك خطة خارطة الطريق والتي قدم عليها أربعة عشر تحفظا، وقلب التوازي فيها إلى توالي، بمعنى جعل الفلسطينيين ينفذوا كامل إلتزامتهم بهذه الخطة دون ان يقدم أي شيء من الإلتزامات الإسرائيلية المقابلة( الموازية) لها.
لم يأتي دونالد ترامب بأية صفقة بل هي إستراتيجية شارون – بوش الإبن (الرئيس الأمريكي آنذاك) وهي حيز التنفيذ حتى يومنا هذا عبر برامج وآليات، غير أن شارون إستطاع إخراج خطة الإستراتيجية هذه عبر وسائل وآليات عمل هي:
يتبع
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0