عربة كارو بطراز قديم، تحمل شوالين كبيرين تتكدس بداخلهما القمامة، يجرها حماران من الأمام، تمسك لجامهما سيدة خمسينية، تسير في شارع مصدق بمنطقة الدقي، تقطع بعربتها سقيع الجو والهواء البارد داخل الشارع الفارغ من المارة، عقارب الساعة تشير إلى الرابعة فجرًا، موعد نهاية ساعات عملها اليومي أوشك على الانتهاء، الخير وفير اليوم واستطاعت ملء العربة بالقمامة والبلاستيكات، في طريقها لإفراغها من أجل بيعها بعد ذلك، في مقابل جنيهات زهيدة، لعلها توفر احتياجات أسرتها اليومية.
أم فايز، سيدة تبلغ من العمر 55 عاما، قست عليها الحياة فلم يعد أمامها سوى العمل يوميا من أجل توفير مصاريف أبنائها، 7 أولاد تحتاج لتعليمهم وتجهيزهم، أنهت رسالتها مع 4 منهم، وتبقى ولدان وفتاة تحتاج لتجهيزها، لذا كان العمل يوميا هو الملجأ الوحيد للخروج من المأزق واستمرار الحياة بوتيرتها البطيئة والتي تجبرها على عيش «اليوم بيومه».
العمر بالنسبة لـ«أم فايز» مجرد رقم، تستيقظ من نومها بعد منتصف الليل، تجهز حالها لتنزل من بيتها في الواحدة صباحا، تسير مستعينة يحماريها من منطقة أرض اللواء مرورا بالدقي والعجزة، تجمع ما تستطيع من قمامة من الشوارع، وتركز على البلاستيكات والكارتون كونهما الأعلى سعرا، ومع نهاية يومها في الساعة الخامسة فجرا، تعود مجددا لمنطقتها أرض اللواء لبيع ما جمعته من قمامة، وعلى هذا الحال تمر أيامها بين جمع وتفريغ وبيع القمامة لكسب جنيهات بعرق جبينها.
لا تحصل على إجازة أسبوعية إلا إذا اضطرها الطقس
لم تتكاسل أم فايز يوما عن عملها، ولا تمنح نفسها إجازة أسبوعية أبدا، إلا إذا اضطرها الطقس لذلك، عن طريق هطول الأمطار أو الرياح الترابية، لذا تبغض الشتاء لأنه يحجم رزقها بعض الشىء، فمنذ رحيل زوجها عام 2018، لم يعد أمر العمل بالنسبة لها به رفاهية الاختيار، وأصبح الأمر إجباريا حتى تتمكن من إطعام أبنائها، لتسجل رحلة شقاء عمرها يزيد على 10 سنوات.
جسد السيدة الخمسينية اعتاد التعب والمجهود رغم هرمه، سئمت الشكوى فأصبحت صامتة طوال الوقت، لمن تشكو وهي ربة الأسرة والمسؤولة عنها؟، كل ما تتمناه أن ترى أولادها في أفضل حال، ولا مانع من القليل من الراحة لها والرحمة لكبر سنها، فـ«قرصة البرد» أصبحت تنال من جسدها خاصة أنها مريضة سكري، لذا تأمل في عمل بسيط غير مرهق وجهاز لابنتها المتبقية، «أنا نفسي أرتاح، وأجوز بنتي اللي فاضلة وأجيب لها جهازها».