بعد كل لقاء جمعني معه، اتركه أو يتركني مشتت الأفكار وتتملكني حيرة واسعة، فإن زحمة الأفكار التي كان يناقشها دائماً تفتح على الجديد والاستثنائي، أمّا سبب حيرتي فيعود إلى تزاحم الأفكار التي يطرحها تباعاً وتراكماً منتظراً رداً لم أكن قادراً عليه لعجزي عن الإحاطة بكل هذا الزخم المتلاحق من الأفكار والتساؤلات المستفيضة.
أقول ذلك، لأنّ بعض الكتابات تحدثت عنه، تتساءل كيف له أن يكتب يومياً، بأفكارٍ جديدة في «أطراف النهار» ويبدو هذا التساؤل محقاً كونه من الصعب الكتابة بهذه الإجادة وبشكلٍ يومي وإغناء كل قضية بعمقٍ كافٍ، فحسن كان من قلة من كتاب الأعمدة الذي كان قادراً وبسهولة الإمساك بقضية في عمقها وأطرافها يطرحها ويناقشها بكل الإجادة والعمق في الفكرة وفي مضامينها، ويعود ذلك باعتقادي إلى اكتنازه لمخزون موسوعي متنوّع نتيجة لتاريخ طويل من القراءة الدقيقة والمتفحصة في كافة المجالات ما مكّنه بسهولة من الحديث بتوسّع وعمق حول أي قضية يطرحها في «أطراف النهار»، تاركاً لي ولغيري من كتاب صفحة «آراء» في «الأيام» تجاور «أطراف النهار» مع مقالاتنا الأمر الذي لا شك منح هذا التجاور ميزة لما نكتب وإثارة اهتمام القراء الذين يلاحقون «أطراف النهار» إلى أطراف مقالاتنا على الأقل بالنسبة لي.
ما يميّز «أطراف النهار» كما اعتقد أنه العمود الذي غير من قواعد الأدب السياسي، ففي هذا العمود نشهد نثراً سياسياً في نوعه الأدبي محولاّ الموقع الجاف إلى رأي يحيل النص السياسي إلى عملية تنطوي على ترويض النصوص المعروفة في البيانات والبرامج والمواقف السياسية، إلى مادة صحافية أكثر فهماً وتقبلاً من قبل الجمهور على اختلاف فئاته وقدراته وخلفياته الاجتماعية والسياسية، ما مكّن هذه الفئات من فتح حوار مع حسن البطل من خلال قنوات التواصل الاجتماعي في وقت تمكّن فيه أيضاً من التزوّد عن قرب أكثر بتفاعلات القراء مع ما يكتب والعثور على أفكار جديدة يطرحها على طريقته في «أطراف النهار».
باعتقادي أنّ نثريات الأدب السياسي في «أطراف النهار» أحدثت شكلاً جديداً من أشكال الفنون الصحافية من حيث طريقة التناول وتقريب الأدب السياسي إلى أدب جماهيري، مع الحفاظ على اللغة المحكمة والعمق المطلوب، ولولا ذلك لما كان لهذه الكتابات هذا الجمهور الواسع وهذا الصدى لما أحاطت به من مواقف وآراء باتت جزءا من الذاكرة الجماهيرية الفلسطينية، إنه شكل من أشكال النثر السياسي المرصوف في أعمدة «أطراف النهار» ليشكّل فناً صحافياً قائماً بذاته.
فمن بين كل أشكال الفنون الصحافية، يبقى «أطراف النهار» عموداً متفرداً بهوية صحافية مختلفة، كونه يجمع بين عدة أشكال فنية، المقال والتقرير والتعليق ومقال النقد الساخر وأشكال أخرى يتنقل «أطراف النهار» فيما بينها، معتمداً في بعض الأحيان على استحضار ما تكتنزه ذاكرة حسن البطل من مطالعات موسوعية، دون استعراض مفتعل بل لغايات تأكيد فكرة ما أو ضحدها، لذلك أعتقد أنّ «أطراف النهار» يكاد يقترب كثيراً من فن صحافي قائم بذاته مستقل نسبياً عن الفنون الصحافية المتداولة ولكنه في نفس الوقت، نثر مميز للأدب السياسي الجماهيري وهو ما تركه لنا حسن البطل برحيله كعميد لهذا الفن الصحافي الجديد.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0