بكلمات ثقيلة، كثقل اللكمات والضربات التي هوت عليه من المستوطنين وأدت إلى تكسير أربعة أضلاع من صدره وانتفاخات في وجهه وعينه اليسرى، وصف الفلسطيني وائل مقبل، 61 عاماً، كيف نجا من الموت بأعجوبة، بعد أن باغته مستوطنون وداهموا منزله، الواقع على أطراف بلدة قريوت جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
يقول مقبل لصحيفة “العربي الجديد”: “كانت الساعة تشير إلى الثانية من فجر اليوم الجمعة، حين سمعنا طرقاً شديداً على باب البيت، فعندما سألت عن الطارق! جاء الرد بعربية ركيكة (افتح جيش)؛ أي أنهم جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي”، لكن ما كاد مقبل “أبو بهجت” أن يفتح الباب، حتى فوجئ بنحو خمسة عشر مستوطناً يحملون القضبان الحديدية والعصي يهاجمونه بشكل جنوني، وينهالون عليه بالضرب على رأسه وصدره وباللكمات على وجهه، وحاولوا سحبه إلى خارج البيت.
يتابع أبو بهجت “لم أكد أفق من الصدمة، فقاومتهم بكل قوتي، لكن عددهم كبير، ودخل بعضهم للبيت، حيث توجد فيه زوجتي فقط، وبدأنا نصيح بأعلى صوتنا، حينها رش أحدهم غازاً ساماً على وجهي، ففقدت الوعي وسقطت أرضاً”.
في هذا الوقت، استفرد المستوطنون بالبيت، وشرعوا يكسرون كل ما تصله أيديهم، وتقول زوجته سميحة مقبل لـ”العربي الجديد”: “أنا أيضاً حتى ذلك الوقت لم أكن أستوعب ما الذي يجري، ومن هؤلاء، لم يسبق لي أن شاهدت مستوطناً عن قرب حتى أحفظ أشكالهم ولباسهم التقليدي، فصرت أصرخ عليهم من أنتم؟ وماذا تريدون؟ لكنني خفت وهربت إلى غرفتي، وأقفلت الباب عليّ من الداخل”.
دقائق عصيبة حتى هدأ الصوت في الخارج، وبدأت أم بهجت تجري اتصالات بمن تعرفهم حتى يهبوا لنجدتها، وتقول “قلبي كان يغلي على زوجي الذي رأيته يواجه عصابة بكل قوة، لكنه انهار ووقع على الأرض، والوقت ذاته ذهلت من المشهد بعد أن سمعت أصواتًا عربية في الخارج، ففتحت الباب ليظهر أمامي المنزل وكأن زلزالاً أصابه، لم يتركوا شيء، كسروا كل الأدوات المنزلية والكهربائية والخزائن والكنب والكراسي، لم يتركوا شيئاً”.
حينها بدأ أبو بهجت يستعيد وعيه تدريجياً، بعد أن حمله شبان ووضعوه على سرير قريب، لكن وجهه كان مغطى بالدماء، ولا يقوى على الكلام، أو حتى التنفس.
ويقول الناشط في مقاومة الاستيطان، بشار معمر، من قريوت لـ”العربي الجديد”: “حاولنا أن نلاحق المستوطنين، لكنهم كانوا قد اختفوا عائدين إلى مستوطنة (عادي عاد) المقامة على أراضي قريتنا، وهذه المستوطنة معروفة لدينا بأن من يسكنها هم من غلاة المستوطنين المتطرفين، وقد سبق أن شنوا هجمات عنيفة علينا وعلى القرى المجاورة”.
ويضيف القريوتي “رأينا أبو بهجت وهو على الأرض، قدمنا له الإسعافات الأولية واتصلنا فوراً بسيارة الإسعاف التي أقلته إلى مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس”، ووفق الأطباء هناك، فقد أصيب أبو بهجت بجروح غائرة في رأسه ووجهه، وتبين أن لديه كسوراً في أربعة من أضلاع صدره.
وعلى سرير الشفاء، يشكر أبو بهجت الله على أنه كتب له عمراً جديداً، ويقول: “رأيت الموت بأم عيني، قاومتهم بكل قوتي، ولكن كما يقولون في المثل (الكثرة غلبت الشجاعة)”، وبهذه الحادثة زاد إيمان الرجل أكثر بأن القوة وحدها هي القادرة على ردع المحتلين والمستوطنين، يقول أبو بهجت “كنت أقول دوماً إن هؤلاء لا يفهمون لغة السلام، هم مجرمون وقتلة، ولا يترددون في مهاجمة العزل، وهذه القناعة تعززت لدي بعد الذي جرى معي”.
يشار إلى أن المستوطنين ومنذ مساء الخميس، صعدوا هجماتهم للقرى والبلدات الفلسطينية في محافظة نابلس، بعد عملية إطلاق النار التي نفذها مقاومون فلسطينيون شمال نابلس، قتل فيها مستوطن وأصيب آخران.