لقد إستخدمت مصطلح العالم المترنح في وجه كورونا عندما كتبت في بداية إنتشار الجائحة، لكني حتى يومنا هذا لم استطع إيجاد مصطلح يصف حال العالم هذا اليوم في مواجهة الفيروس سوى أنه عالم مترنح تحت وطأة الوباء. فلم يخطر ببال احدنا عندما ظهر أول تسجيل لإصابة بفيروس كورونا في الصين في نهاية العام 2019 بأننا سنقفل عام 2021 ولا زالت متحورات الفيروس تفتك بمناحي الحياة جميعها حول العالم. ولعله من الموضوعي وعدم المبالغة القول بأن العالم خسر جولاته ضد هذا الفيروس وإن كانت المحاولات مستميتة كما يبدو لحصره في نطاق الفيروسات التي من الممكن التعامل والعيش معها كالأنفلونزا الموسمية، لكننا اليوم لسنا قريبين من هذا الهدف بأي شكل يدعوا للتفاؤل وشبح متحور أوميكرون يهيمن على المشهد العالمي. لقد كان التوصل للقاح ضد كوفيد 19 أقصى أماني العالم وكان لهذا الإنجاز الطبي حينها اطيب الأثر في البشرية التي عقدت الأمل حينها على أن هذا اللقاح سيزيل الستار عن حقبة شديدة الصعوبة على نواحي لا حصر لها. لكن متحور دلتا ضرب كل هذه التوقعات عرض الحائط وأعادنا لنقطة الصفرفي محاولة إكتشاف تركيبة وطرق إنتقاله وما إن كانت اللقاحات المتوصل إليها ستجدي معه نفعا أم لا؟ هذا المتحور الذي ظهر في الهند وتفشى في العالم تفشي النار في كومة من القش، لم يكن الأخير في سلسلة طويلة نشهد منها اليوم ما بعد متحور دلتا. ولهذا عدنا لنرى تخبط في سياسات الكثير من الدول شرقا وغربا، شمالا وجنوبا فيما يتعلق بإعادة الإغلاق وإتباع إجرائات الحجر الصحي وبروتوكولات السلامة الطبية. كل ما ذكر تبخر مرة أخرى والعالم يستقبل خبر المتحور الأحدث حتى يومنا هذا والذي ظهر في جنوب إفريقيا وهو متحور أوميكرون، حيث زال مع ظهور هذا المتحور أمل الكثيرين بأن تكون نهاية العام 2021 نهاية أقل قسوة في مواجهة العالم لهذا الفيروس شديد التحور وسريع الإنتقال.
لم يعد هناك من داع لذكر الأعداد التي تتصاعد بشكل هستيري للخسارة المرتبطة بتفشي هذا الوباء وعدم قدرة العلم والتكنلوجيا حتى اللحظة على مجاراة تحوراته المتعددة، لكننا ننجز بالقول بأن قطاعات السياحة والنقل والضيافة والتجارة وكل ما اتصل بها من خدمات ومرافق اصيب بمقتل قد يكلف الدول والشركات والأفراد كثيرا من الوقت والجهد والاستثمار في إعادة الحياة لما اصبح اليوم أثرا بعد عين. وليس بالبعيد تأثر قطاعات الصحة والتعليم بشكل غير مسبوق وما سيتصل به من أزمات نفسية ومجتمعية بدأت بوادرها منذ بداية الجائحة ويصعب حصرها حتى اللحظة.
لكن المشكلة لن تقف هنا، فكورونا حصدت ارواح الملايين حول العالم، عالم كان يعتقد أنه بتفوقه التكنلوجي قد سبر أغوار الأرض وأتجه ليغزوا السماء، وكل هذا ذهب ولو لفترة أدراج الرياح، والبشرية تقف وجها لوجه في مواجهة فيروس شرس، قد يكون الأول بعد الانفلونزا الإسبانية شراسة وضراورة لكنه حتما ليس الأخير. فهل سيستقى العالم دروسا وعبر من هذه الجائحة؟ وهل سيصل لإستنتاج بأن لن يستقيم الحال في مواجهة هذا الفيروس وغيره من التحديات الكونية المحدقة بنا دون أن يقف العالم وقفة متجانسة متبنيا بما ليجاوره الشك قاعدة أساسية لا لبس فيها وهي أن هذا الكوكب وحدة واحدة بغض النظر عن حدود الجغرافيا، وما أحدثته وجبة عشاء لمواطن صيني (إن صح ما نشر) من وبال على البشرية هو أكبر دليل على ذلك. فنحن بفعل التكنلوجيا نحيا في قرية صغيرة. وهذا ينسحب على التغير المناخي، والثورة الصناعية التكنلوجية وتصنيع الأسلحة والحروب بالوكالة والقائمة بلا نهاية. نحن نعيش في عالم مضطرب جشع، ابعدته الرأسمالية وسباقات التسلح وحمى التكنلوجيا والتصنيع الصخم عن كل ما يجب أن يراعيه من معايير ستلقي به كلها إلى التهلكة إن لم يقف الجميع وقفة رجل واحد لأننا في مركب واحد إن غرقت غرقنا جميعا وإن نجت نجونا وإزدهرنا بعقلانية لم يعد إعمالها ضربا من الرفاهية.
هل لديك سؤال؟
تابعنا على السوشيال ميديا او اتصل بنا وسوف نرد على تساؤلاتك في اقرب وقت ممكن.