رغم كون «عم حنفي» في العقد الثامن من عمره، إلا أن إحساسه بالمسئولية جعلته لا يقوى على التفكير في الراحة، إذ يجد زوجته تتألم أمامه كل يوم بسبب مرضها الذي أنهك صحتها بشدة، فألهمه تفكيره إلى بيع الأحذية في أحد شوارع حي عابدين بمحافظة القاهرة، مُحاولًا جني بعضًا من المال من أجل علاج زوجته، ودفع مصاريف المستشفيات.
حنفي صالح، 75 عامًا، يحكي لـ«»، وهو يقف بلحيته الخفيفة وشعره الذي سرح الشيب إلى آخره، خلف عربته الخشبية المُحملة بعدد من الأحذية البلاستيكية، أنه يعيش في إحدى الشقق ضمن المساكن الجديد بحي السيدة زينب في محافظة القاهرة، وأنه يعمل في بيع الأحذية من أجل علاج زوجته.
البحث عن تجارة غير معرضة للخسارة
سنوات طويلة عمل خلالها «عم حنفي» في صناعة السجاد بأحد المصانع، ومع تدهور الحال اضطر إلى تركها، والبحث عن رزقه في مكان آخر: «اشتغلت علشان أقدر أصرف على مراتي وأعالجها، وبقالي 30 سنة ببيع أحذية»، هكذا قال «عم حنفي»، وأنه أختار التجارة في الأحذية لأنها غير معرضة للفساد والخسارة، كما هو الحال في تجارة الفاكهة والخضروات.
أنجب «عم حنفي» 5 أبناء تزوجوا جميعًا ليبق في النهاية بمفرده رفقة زوجته المُسنة: «عندي ولدين و 3 بنات.. كل واحد فيهم يادوب قادر يكفي بيته وعياله وأنا بشوفهم بيصعبوا عليا»، وأن ابنه الأكبر «محمد»، 41 سنة، يعمل في مهنة الكهرباء، والأصغر «أحمد»، 37 سنة يعمل في النجارة.
عزة نفس «عم حنفي»
يضيف الأب بنبرة ممتزجة بالحنان والفخر، يغلبها الحزن وهو يحكي عن بر أبنائه، وتمنيهم لو استطاعوا مساعدته، متابعا: «ابني محمد بيقول لي صدقني يا بابا أنا نفسي أريحك وأخليك تقعد في البيت بس غصب عني»، وأنه في ظِل رؤيته لما يُعاني منه أبناؤه من ضيق حالٍ وتأزمٍ في المعيشة، فإنهم في كل مرة يحاولون عرض المُساعدة عليه، لكنه يرفض ويُطمئنهم بأنه لا ينقصه شيء: «الحمد لله الواحد عنده عزة نفس تخليني حتى أرفض أطلب من ابني ولا أحمله همي».
رغم أن «عمي حنفي» يعيش في شقة لا يدفع لها سوى 55 جنيهًا كإيجار شهري، إلا أنه يتكبد بما يُثقل كاهله الضعيف مقابل فواتير الخدمات الاستهلاكية من مياه وكهرباء وغاز: «المياه بتوصل لـ300 جنيه والكهرباء بتكون من 150 لـ 200 والغاز حوالي 60»، بحسب «عم حنفي»، وأنه تراكمت عليه فواتير كهرباء لمدة عام كامل وصلت لأكثر من 3000 جنيه ولا يقوى على دفعها.
500 جنيه علاج شهري للزوجة
تعاني زوجة «عم حنفي» وهي مُسنة تجاوزت الستين من عمرها من مشاكل في الكلى تجعلها تتكبد آلامًا يومية تجعل الزوج رغم ما به من كِبر وتعب، يحاول بكل ما يستطيع أن يحصل على المال الكافي لشراء علاجها لعلَّ وعسى يُخفف عنها الآلام: «مراتي بتحتاج بـ 500 جنيه علاج في الشهر.. والله بتخليني ألف حوالين نفسي علشان أقدر أجيبها».
لم يكن المجهود البدني والتعب الذي يتكبده «عم حنفي» هو كل ما يُرهقه؛ إذ أنه يتعرض لبعض المواقف أثناء ذهابه في الطريق من وإلى بيته تجعله يتألم كثيرًا ويأسف على حاله وكِبر سنه: «أنا معايا كارنيه بتاع المسنين فوق الـ70 سنة ومبدفعش مواصلات.. بس سواقين أتوبيسات الهيئة مرات كتير مبيرضوش يستنوا عليا لحد ما أركب وبيقولوا لي مش بنستفاد منكم حاجة»، وفقًا لـ«عم حنفي» الذي أستكمل بنبرة حزينة يشوبها الخجل: «أكتر من مرة أقع وأنا بحاول أركب».
العجز عن الالتزامات الشهرية
20 أو 30 جنيهًا هو المبلغ الذي يُحاول «عم حنفي» أن يدخره يوميًا، آملًا أن يأتي عليه آخر الشهر وهو معه ما يكفي التزاماته: «آخر الشهر بلاقي مطلوب مني حاجات مش قادر أوفرها، ومش عارف أعمل إيه تاني ولا أجيب منين»، موضحًا أنه يأتي من حي السيدة زينب إلى حي عابدين من الـ10 صباحًا وبعد المغرب يركن عربته الخشبية في مخزن مقابل 5 جنيهات، ومن ثَم يُسرع عائدًا إلى منزله ليرعى زوجته المريضة ويأنس وحدتها.