في منزل صغير يسكنه رجل قعيد داهمه السرطان قبل سنوات، تعيش 3 شقيقات أصغرهن آية صاحبة الـ15 عامًا، التي تستيقظ فجر كل يوم لتستقل مركبة ثقيلة «لودر» وتقوده مسافة كيلو مترات حتى تتوقف أمام شاحنات النقل التي تنتظرها كل يوم، وتعود مساء من عملها المحفوف بالمخاطر والغبار يغطي وجهها.
«آية» بدأت قيادة اللودر من عُمر السابعة
مع إلتحاق «آية» بالمدرسة وهي طفلة لم يتجاوز عمرها الـ7 كانت عائدة لتوها من مدرستها الإبتدائية بالقرية فرأت دموع والدها الذي اشتد عليه المرض وأصبح لا يقوى على العمل، تحكي صاحبة الـ15 عامًا: «اتعلمت السواقة على الجرار في بلدنا، كنت بسوقه وأنا عندي 7 سنين أول ما شوفت علامات المرض على أبويا وكانت دموعه بتنزل من عينه وبيصعب عليا حاله».
المرض يداهم جسد والدها فيصبح طريح الفراش
بعد أن قضى أشرف فتحى، 43 عامًا، والد «آية»، سنوات طويلة في مهنته «سائق جرار زراعي» يعافر من أجل لقمة العيش الحلال أصيب بمرض السرطان و لم يعد قادرًا على العمل مرة أخرى، وبحسب الابنة: «أبويا سواق من صغره، وقضى سنين كتير بيتعب وبان عليه الشقى لكن سنة 2012 سرطان الدم اتمكن منه، وفي 2017 استسلم لتلات جلطات بعدها مقدرش يسوق اللودر علشان معندوش صبيان».
«آية»: والدي اشترى اللودر بالتقسيط ومقدرش يشتغل عليه
أصيب الرجل الأربعيني بجلطات متتالية بعد فترة قصيرة من مداهمة السرطان لجسده، وبعد أيام من شرائه «لودر» بالتقسيط ليواجه به ظروفه الحياة، هنا قررت الابنة الصغيرة أن تتسلم مهمة العمل خوفًا من المجهول: «أبويا اشترى اللودر من خمس سنين بالتقسيط عشان ناكل منه عيش، لكن الجلطات والسرطان خلوه مش قادر يقف على رجله فقررت أشتغل على اللودر».
عقب ذلك لم تجد الشابة الصغيرة سائقة اللودر، سوى أن تقتحم المهنة الصعبة ووجدت نفسها تعمل بديلًا لوالدها الذي لم ينجب سوى 3 بنات، هي أصغرهن: «مكانش ينفع نواجه ظروف مرض أبويا وتراكمت علينا مصاريف علاجه، احنا تلات أخوات بنات وأنا أصغرهم مين هيصرف علينا؟».
طوال 5 سنوات لم تتوقف عن العمل
منذ 5 سنوات لم تتوقف الشابة الصغيرة عن العمل يومًا، بسبب الديون التي اضطرتها إلى تحمل أعباء المهنة الشاقة التي تظهر على ملامحها، ورغم الغبار الذي غطى وجهها اعتادت أن تستقل المركبة الثقيلة 15 ساعة يوميًا: «لو منزلتش أشتغل المصاريف والأقساط اللي لسه علينا كانت هتتراكم اكتر من كده ولا قدر الله مكناش هنلاقي ناكل وهنتبهدل».
تواجه «آية» أيامًا تضيق فيه فسحة العيش وتزداد الظروف المادية صعوبة، لذا فإنها تواصل الليل بالنهار أمام مركبات النقل الثقيل المتراصة أمامها: «مضطرة اخد قرار إني أشتغل شغلانة صعبة.. يومي بيبتدي الساعة 4 الفجر وأرجع على 9 بالليل يدوب بنام كام ساعة عشان ألحق شغل اليوم اللي بعده».
«آية»: الناس بتناديني بالأسطى
ذكريات سريعة مرت بخاطرها كشريط سينما لتكمل حديثها بنبرة حزينة قائلة إن سنوات التعب والشقى التي تعيشها تمر سريعًا إذ وجدت فجأة أنها لقبت بـ«الأسطى آية»: «مش مصدقة إن الناس بتناديني بالأسطى.. أنا بشتغل في مهنة صعبة ورغم كده الشغل مش جايب همه والأقساط والديون لسه مخلصتش بس اديني بحاول على قد ما أقدر عشان أسددها».
نظرات تشاؤمية وتنمر
لم تستسلم «آية» المقيمة وأسرتها في قرية العرين البحري بالمنيا، للنظرات التشاؤمية التي تراها على وجوه من حولها، يلمحون لها بأن المهنة جعلت وجهها شاحب، ولا تنظر لعبارات التنمر عليها وتسير في طريقها: «الناس في الأول كانت مستغربة من فكرة إن بنت بتسوق لودر، في منهم اللي كان بيرمي كلمة ويتنمر وفيه اللي بيقول الله ينور»، مضيفة: «حتى لو هواجه التنمر أرحم من اننا منلاقيش ناكل احنا محدش بيسال علينا من عيلتنا، كأننا مش موجودين لا عم ولا خال بيسأل».