تحلّ الأسبوع المقبل الذكرى الثانية لاغتيال قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في العام 2020، بأمر من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إثر مقتل متعاون مع الجيش الأميركي في العراق.
وشهد هاذان العامان تصعيدًا كبيرًا بين الولايات المتحدة وإيران، خصوصًا قصف إيران قاعدة عين الأسد العراقية، التي تحوي جنودًا أميركيين بعد خمسة أيام من اغتيال سليماني، بالإضافة إلى عمليات إسرائيل في الداخل الإيراني واغتيالها العالم النووي، محسن فخري زادة، الذي يوصف بأنه “أبو البرنامج النووي الإيراني”.
ومع خسارة ترامب الانتخابات، عادت الولايات المتحدة، برئاسة جو بايدن، إلى فيينا لبحث العودة المتحملة للاتفاق النووي. بدأت مفاوضات فيينا بتفاؤل كبير، لكن فوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة الإيرانية أدّى إلى تراجع الآمال، إلى الآن على الأقلّ.
وخصّصت مجلة “ذي نيويوركر” الأميركية تقريرًا موسّعًا للبرنامجين النووي والصاروخي الإيراني، تصدّر عددها الأوّل من العام 2022، أعدّه الصحافية روبن رايت، تحت عنوان “التهديد الوشيك باندلاع أزمة نووية مع إيران”.
وقال قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، كينيث ماكينزي، المسؤول عن عمليات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إنّ الدرس من الهجوم على قاعدة عين الأسد في العراق بعد اغتيال سليماني هو “أن الصواريخ الإيرانية أصبحت تهديدًا أكثر إلحاحًا من برنامجها النووي”.
وبحسب المجلّة، كانت صواريخ إيران لعقود غير دقيقة، لكنّهم في الهجوم على عين الأسد، يقول ماكينزي، “إنهم ضربوا، إلى حدٍّ بعيد، حيث أرادوا الضرب”، وتابع أنهم الآن “قادرون على الضرب بفاعلية على طول وعرض الشرق الأوسط. بإمكانهم الضرب بدقّة، ويمكنهم الضرب بقوّة”.
وركّزت إيران، لسنوات، على بناء قدرات صاروخية ذات مدى أطول ودقّة عالية وقوّة تدميرية أكبر، فـ”سلاحها الجوي لا يزال ضعيفًا، وسفنها ودباباتها متواضعة، وجيشها غير قادر على غزو دولة أخرى والسيطرة على أراضٍ”، وفق المجلة، التي أضافت أنّ إيران “الآن واحدة من أكبر منتجي الصواريخ في العالم”.
ويمكن لإيران، وفق المجلة، إطلاق صواريخ أكثر مما يمكن لخصومها (بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل) إسقاطها أو تدميرها، وهو ما يصفه ماكينزي بـ”المبالغة في المنافسة”، وهو قدرة دولة ما على امتلاك أسلحة تجعل من الصعب للغاية ضبطها أو هزيمتها. “قدرة إيران الإستراتيجية هائلة الآن.. لقد تجاوزا القدرة على التغلّب”.
ووفق تقديرات الاستخبارات الأميركية، “تمتلك إيران آلاف الصواريخ الباليستية، التي يمكنها الوصول إلى 1300 ميل في أي اتجاه… منها 100 صاروخ يمكن أن تصل إلى إسرائيل”، بالإضافة إلى مئات صواريخ كروز، التي تطلق من الأرض أو السفن، وتطير على ارتفاع منخفض ويمكنها الهجوم من اتجاهات متعدّدة، ويصعب على الرادارات أو الأقمار الصناعية كشفها، لأنّ محركاتها، على عكس الصواريخ الباليستية، لا تحترق بشكل ساطع عند اشتعالها، وفق المجلة، التي أضافت أن هذه الصواريخ “غيّرت ميزان القوّة في الخليج العربي”، مع قصف منشآت “أرامكو” في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019.
بالإضافة إلى تطوير برنامجها الصاروخي وزيادة دقّتها عبر إضافة GPS إليها، “درّبت إيران جيلًا من المهندسين والعلماء الأجانب على تجميع الأسلحة. وأرسلت قوارب شراعية محمّلة بأجزاء صواريخ للحوثيين الذين أطلقوا صواريخ على أهداف عسكرية ومدنية في السعودية. وزوّدت ’حماس’ و’الجهاد الإسلامي’ بتكنولوجيا الصواريخ ’الغبية’ الأقدم، بينما تذهب غالبية مجموعات ’مشروع تدقيق الصواريخ’ إلى لبنان، حيث يطور ’حزب الله’ صواريخه قصيرة المدى وصواريخه لتصل إلى دقة أكبر ولاختراق أعمق داخل إسرائيل”.
وقال ضابط رفيع في المخابرات البحرية الأميركية للمجلة إنّ الفارق في نفوذ بين عامي 2016 و2021 “مذهل ببساطة”، رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، وتقدّر المجلة عقوبات إدارة ترامب وحده بألف عقوبة. ونقلت المجلة عن مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية قوله إنّ “الخيارات الشبيهة بالعقوبات استنفدت. من الواضح أن ذلك لم يسفر عن النتيجة التي كنا نريدها جميعًا”.
وفي حال قرّرت إيران الهجوم على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، قال ماكينزي “إن هاجموا فجأة، ستكون حربًا دامية. سنتعرّض لأذى شديد، سنفوز على المدى البعيد، لكن الأمر قد يستغرق عامًا”.
أمّا حول المفاوضات النووية، فاقترح مبعوث الإدارة الأميركية للملفّ الإيراني، روبرت مالي، وفق المجلة، أن تعلن إيران والولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووي في وقت واحد، ثم اتخاذ قرار بشأن سلسلة من الخطوات. “لا تريد الإدارة الأميركية مكافأة إيران دون دليل على أنها تعكس تقدّمها النووي وتعود إلى أجهزة الطرد المركزي القديمة، وتقلّص مخزونها من اليورانيوم، وتسمح بعمليات التفتيش الكاملة”.
ووفق المجلة، “قد تتمكّن الولايات المتحدة، بطريقة ما، العودة إلى الاتفاق النووي، فإيران تواجه تحدّيات غير مسبوقة في الداخل والخارج… لكنّ مسؤولا كبيرًا في الإدارة الأميركية حذّر من أنه إذا توقفت الدبلوماسية واستمرت إيران في تسريع برنامجها النووي، فإن الولايات المتحدة قد تواجه أزمة نووية في الربع الأول من عام 2022”.
وخلصت المجلة إلى القول إن الاتفاق النووي يمكن أن يكون مجرّد البداية والجزء الأسهل التحدي الإيراني لرئيس أميركي يواجه الملفّ الإيراني.